السخرية السوفيتية

TT

كما ذكرت أول من امس، دأبت الشعوب المكبوتة على استعمال النكتة للتخفيف من همومها وانتقاد الوضع القائم بصورة متسترة. انه نوع من المقاومة اللاعنفية. كذلك جرى الحال بالنسبة للاتحاد السوفيتي السابق. ولكنه بدأ مسيرته في عهد لينين بقسط كبير من التسامح وحرية الفكر، وهو ما تفعله كل الانظمة الدكتاتورية في اول عهودها. زاد من تداول النكات تحرير اليهود وخروجهم من قراهم واحيائهم المحددة لهم (الشتيل)، الى موسكو والمدن الرئيسية. اشتهر اليهود تاريخيا بروح النكتة التي فرضتها عليهم اوضاعهم الصعبة وعبوديتهم. نقلوا معهم الكثير من تراثهم الفكاهي المرتبط بالجوع والحرمان وراحوا يطبقونه على الاوضاع الجديدة.

ذهب رجل الى دكان خلت رفوفه من اي شيء للبيع. سأل صاحب الدكان: «ألديك شيء من الخبز للبيع؟»، أجابه قائلا: «كلا أيها الرفيق. هذا دكان السمك الذي ليس فيه سمك. دكان الخبز الذي ليس فيه خبز تجده في الشارع المقابل».

حار مواطن آخر بضيق احواله فكتب رسالة الى الرب قال فيها : «رباه انت اعلم بحالي. احسن علي بشيء من الروبلات اقيت فيه نفسي». اخذ الوريقة الى مكان عال ورمى بها نحو السماء. حملتها الريح الى وسط المدينة فشاهدها طفل وحملها الى والده. تخوف الوالد منها فسلمها للشرطي وهذا بدوره سلمها الى مأمور البريد. قرأها هذا فشعر بعطف نحو كاتبها فتصدق عليه بخمسين روبلا وضعها في مظروف وارسلها اليه. فتح الرجل المظروف فوجد فيه هذه الروبلات. فرح بها ثم كتب رسالة اخرى قذفها في الهواء على نحو ما فعل سابقا. التقطها احد المارة فسلمها كذلك لمأمور البريد ففتحها وقرأ فيها هذا الدعاء: «شكرا يا رب على ارسال هذه الروبلات. ولكن ارجوك في المرة القادمة اذا ارسلت لي اي مساعدة فارسلها لي مباشرة وليس عن طريق البريد. فمأمورو البريد عندنا كلهم حرامية ولا يسلمون شيئا لأحد بدون ان يسرقوا منه شيئا».

سعت السلطات السوفيتية الى إعمار المناطق المهملة بتشجيع الهجرة اليها. استجاب لذلك عاملان قررا الهجرة للعمل في سيبيريا. غير انهما لم يكونا واثقين تماما من ذلك. فقررا ان يذهب احدهما فقط ويكتب للآخر عن حقيقة الأحوال. تخوفا طبعا من الرقابة فاتفقا على الكتابة بحبر ازرق اذا كانت الاحوال جيدة وبحبر احمر اذا كانت سيئة. بعد بضعة ايام تسلم الزميل في موسكو رسالة بالحبر الازرق. تقول «الاحوال جيدة والبضائع متوفرة وكل شيء في خير». وفي اسفل الرسالة قرأ هذه الكلمات، «ملاحظة: آسف على الكتابة بالحبر الأزرق. فلا يوجد حبر احمر هنا».

وهذه نكتة تعلقت بعودة الارمن. حاول السوفييت بعد الحرب استرجاع المغتربين الارمن الى ارمينيا. رجع بعضهم وتردد آخرون. بيد ان واحدا منهم اتفق مع اهله أن يخبرهم اولا بما يجد. اذا كانت الاحوال طيبة يبعث لهم بصورته واقفا. واذا كانت سيئة يبعث لهم بالصورة جالسا. مرت اشهر وتسلموا رسالته وفيها صورته مستلقيا على الارض.