تصادم الثقافة

TT

الانتخابات الأمريكية تحفل بالكثير من المواقف الغريبة التي لا يمكن تفسيرها إلا من خلال «الحملة الرئاسية» وتبعياتها وبالتالي قبول ما يصدر من تصريحات ووعود على ألسنة المرشحين ومستشاريهم على أنه جزء من الحملة الترويجية للمرشح وللحزب. ولكن المتابع لتصريحات المرشح الجمهوري الأول السيناتور جون ماكين ومرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون، في مناسبات متعلقة بالسياسة النفطية التي يعدان بها، لا يمكنه إلا الشعور بالاشمئزاز من الطرح المضلل. فالمرشحان يوظفان الغضب الشعبي الموجود حاليا بالولايات المتحدة الامريكية تجاه ارتفاع أسعار النفط ومشتقاته والتي تشكل مبلغا وتكلفة أساسية في مصاريف المواطن الامريكي، ويحاولان من خلال ذلك توجيه أصابع الاتهام «بسذاجة وسخف غير طبيعي» الى الدول العربية، والسعودية تحديدا، باعتبارها هي السبب في ذلك، متجاهلين بذلك كل مبادئ الاقتصاد من عرض وطلب والتاريخ الجيولوجي ومكامن النفط الآخذة في الانحسار عالميا. أزمة الأسعار المرتفعة التي يعاني منها المواطن الامريكي ليست ظاهرة محلية فقط ولكنها ظاهرة عالمية وبامتياز، وفي تحميل الطرف العربي وحده أسباب ذلك إنكارٌ للحقيقة وتضليل للرأي العام هناك. فمن الواضح أن القصة لم ترو بالكامل، فعدم بناء مصافٍ نفطية جديدة في الولايات المتحدة الأمريكية لمدة تزيد عن العشرين سنة أحدث فجوة هائلة في الكميات المعروضة وبالتالي رفعت الأسعار الى معدلات هائلة، وكان المستفيد الأساسي جراء هذا الوضع هو الشركات النفطية الأمريكية العملاقة، التي تحقق أرباحا هائلة وغير مسبوقة. ابتلي العالم بأسره بطرح سياسي غريب من إدارة الرئيس جورج بوش الحالية وترويجها لغزو العراق لأن بها أسلحة دمار شامل (وهو لم يثبت)، وأن العراق احتضن منظمة القاعدة الارهابية (وها هي الاستخبارات الأمريكية تثبت بموضوعية واستقلالية مبهرة أن حجج جماعة المحافظين الجدد داخل الادارة الأمريكية كانت مضللة وباطلة)، وحتى حجج جورح بوش الموجهة صوب إيران وبرنامجها النووي ثبتت عن طريق المعلومات الاستخبارية الأمريكية أن ايران ليس لديها برنامج نووي عسكري التوجه. ولعل مسألة الشفافية المعلوماتية واستقلالها وجدارتها وإظهارها علنا حتى ولو كانت ضد وعكس اتجاه الادارة السياسية تعتبر من الاسباب الأساسية لعظمة الولايات المتحدة وقدرتها على تطوير ونقد الذات بشكل جدير بالتقدير، واذا كان العالم بأسره يعاني جراء ورعونة الادارة الحالية، فانه سيضع يديه الاثنين على قلبه خوفا وذعرا من هكذا أطروحات يروج لها مرشحون لأكبر منصب في الادارة الأمريكية. الاستمرار في نهج جورج بوش بتصوير العدو بشكل مناسب على أنه «عربي متهور يتحكم في بترولنا» هو إزكاء ومباركة عملية لنظرية صراع الحضارات وتصادم الثقافات حتى لو كانت هذه المرة تحمل شكاوى اقتصادية. حجم الهستيريا الموجودة هذه الايام ضد المسلمين والعرب الذي يظهر في مبالغة إظهار اسم باراك أوباما الأوسط (حسين)، والإيحاء بالهمز واللمز أنه «مسلم ولكنه مختبئ تحت عباءة المسيحية» أو الأموال «الارهابية» التي «جاءت للاستثمار في أراضينا» وغيرها من الأطروحات المجنونة والمدمرة، لن تفعل شيئا سوى تأجيح روح الصراع والخلاف، وهذا قد يكون مقبولا ومستساغا من قبل معلق صحافي متشنج، أو قس متطرف، أو إعلامي تلفزيوني مشهور، ولكن يجب أن لا يكون مقبولا أبدا هذا النوع من الطرح الأهوج وغير المسؤول بإدانة شاملة وعامة لملايين من العرب والمسلمين وتوجيه أصابع الاتهام لهم من قبل سياسيين في اعلى مراكز صناعة القرار. وما سُمِح يوما بأن يكون جريمة وأطلق عليه قانون مكافحة السامية يجب أن لا يكون هو نفسه أداة تمييز وتفرقة بين عرق وآخر ودين وآخر. فالإهانة غير مقبولة هكذا باختصار بغض النظر عن أي اعتبار آخر، ووقتها فقط تكون هناك سواسية وعدالة في هذا الطرح .

[email protected]