الرجل المعتمد

TT

قبيل الانقلاب عليه كان الرئيس أحمد بن بللا قد فقد الثقة بكل من حوله. أبعد الأمين العام لجبهة التحرير، محمد خيضر، ثم اعتقل محمد بوضياف. وبعدها أعلن الزعيم آية أحمد معارضته للنظام. وبعد قليل عزل الزعيم التاريخي وأحد مؤسسي الثورة فرحات عباس، ثم الزعيم الآخر رابح بيطاط. ولم يبق أحد تقريبا من ذوي الأسماء التي كانت تتداولها الصحف والإذاعات كل يوم.

أصيب الرئيس الجزائري الأول بمرض الرهاب. وراح يتصور أن الجميع يتآمرون عليه. وبالطبع كان جزئياً على حق. وذات يوم كان يقدم صحافياً مصرياً إلى هواري بومدين، الرجل الذي سوف يخلعه، فعرَّف به قائلا: «هذا هو الذي يتآمر عليَّ». ولم ينفع الألق الخارجي الذي صنعه بن بللا بل أضر. كل ما كان في خزانة الجزائر صرفه على دعم الثورات الأخرى في أنغولا وموزامبيق وجنوب أفريقيا. وأقام مهرجان الشباب العالمي، ثم المؤتمر الآسيوي الأفريقي الثاني. وأشرف بنفسه على تحضيرات المؤتمر رافضاً أن يشاركه في ذلك أحد. وراح يدعو شو إن لاي من الصين، ويزور ديغول في باريس. بومدين كان الرجل النقيض. الرجل الذي يكره الأضواء ويكره الخطابة والكلام، مع أنه مدرس سابق للغة العربية. وعندما حمل بوخروبة محمد الاسم الحركي «هواري بومدين» أصبح برتبة عقيد ورفض أن يعلو عليها فالتقشف الثوري لا يحتمل عصا الماريشالية التي حملها كثيرون في العالم العربي تلك المرحلة، كالمشير عبد الله السلال في اليمن. أو مثل عدد كبير من انقلابيي أفريقيا. وكان أشهرهم وأطولهم عصاة، جوزف موبوتو في الكونغو، وجان بيدل بوكاسا في أفريقيا الوسطى. وبدا إلى زمن طويل أن العصا هي التي تصنع الرجل وليس الرجل هو الذي يضع العصا.

كان بن بللا حالما وبومدين كان رجلَ استراتيجيا وحروب وأفخاخ. وإذ أبعد بن بللا الجميع وضع ثقته في رجل واحد: الطاهر الزبيري. وفيما كان العقيد بومدين يزور موسكو أصدر الرئيس مرسوماً بتعيين الزبيري رئيساً للأركان. في الثانية من صباح الجمعة 18 حزيران، دخل العقيد الزبيري غرفة بن بللا ومعه رشاشه: سيدي، لم تعد رئيساً للبلاد.