من لنين إلى ستالين

TT

كان من الطبيعي أن يجري كثير من النقاش بشأن تطبيق الاشتراكية في مطلع النظام السوفييتي وفي إطار الحرية النسبية التي سادت في الأيام الأولى كما ذكرنا وكما لاحظت سارة ديفز، أستاذة الدراسات السلافونية في جامعة درم. وفي إطار ذلك، قيل انه عند ختام مؤتمر الحزب الشيوعي، فتح المجال للمناقشة. فوقف رجل وألقى هذا السوأل: هل يمكننا ان نقول ان الاشتراكية هي حقا من اختراع الشيوعيين او العلماء؟ أجابه لنين باعتزاز: «إنها بدون شك من عمل الشيوعيين». هز الرجل رأسه وتمتم قائلا: «هذا ما كنت أحسبه. فلو ان العلماء عملوها لجربوها أولا على الفئران».

وفي إحدى حانات موسكو التفت احد السكارى فسأل زميله: «قل لي بوريس، ما الفرق بين الرأسمالية والاشتراكية؟» أجابه زميله: «الرأسمالية تقوم على استغلال الإنسان للإنسان. أما الاشتراكية فتجري بعكس هذا الاتجاه».

مات لنين أخيرا. او بالأحرى قتله تطبيق الاشتراكية في بلد عريق بالعبودية والظلم. استلم الحكم بعده جوزيف ستالين الذي لم يشتهر بروح النكتة، أو ما كان الروس يسمونه بالأنكدوته. ولم يشعر بالارتياح من تداول الانكدوتات الساخرة ضد النظام الجديد، او ما سماه لنين بدكتاتورية البروليتاريا، فأمر بقمعها ومعاقبة كل من يتعاطى بها. وبعد ان اختفت من عالم الطبع والنشر تحولت الى همسات بين الأصحاب فنشرت المخابرات وكلاءها يتنصتون للكلام. لاحظ احد المواطنين ان وكلاء الكي جي بي، كانوا يتحركون دائما ثلاثة، ثلاثة. فسأل زميله لماذا ينتشرون بهذا الشكل الثلاثي دائما. فأجابه قائلا: «واحد يستطيع القراءة. والثاني يحسن الكتابة والثالث يراقب هذين الاثنين المثقفين».

فيما كان زائر بريطاني يجتاز شوارع موسكو بسيارة تاكسي، أشار السائق إلى بناية لبيانكا (مبنى الكي جي بي) وقال هذه أعلى بناية في موسكو. لاحظ الزائر بعد قليل ان هناك كثيرا من المباني الأخرى أعلى منها بكثير. فذكر ذلك للسائق. فأجابه هذا قائلا: «ولكنك من هذه البناية تستطيع ان ترى كل ما يجري في أقصى زاوية من زوايا البلاد».

نص القانون على معاقبة كل من يروي نكتة مسيئة للنظام بنفيه إلى معتقلات الكولاك لمدة عشر سنوات. وقدر المؤرخ البريطاني روي مدفرت ان عدد المعتقلين لهذا السبب بلغ مائتي ألف شخص سنة 1958. وتم تنفيذ حكم الإعدام في بعضهم. تعرض أكثرهم للتعذيب المبرح على أيدي المخابرات. قالوا ان احد الفيلة فلت من حديقة الحيوانات وتعذر العثور عليه. فكلفوا الكي جي بي بالمهمة. طمأنهم الضابط على الموضوع. قال اعطوني ثلاثة أيام فقط. اقتادهم بعد ذلك إلى قفص الأرانب، حيث وجدوا احد خدامها مكبلا بالسلاسل يقطر دما من ظهره وكتفيه وهو يصرخ «أنا فيل! أنا فيل!». وأصبحت هذه نكتة انتقلت وشاعت بين شعوب كل الدول التي عانى أهلها من قمع المخابرات وبطشها وتعذيبها. سمعتها عن الكثير من الدول العربية. وهي من أفضال ستالين على البشرية.