هل تجتاح إسرائيل غزة كما اجتاحت لبنان؟

TT

يقول محدثي إن عام 2008 سيكون عام الحسم . خلاله ستتوضح أمور كثيرة وستدرك الأطراف المعنية ما يجب ان يحصل بالضبط، وهناك احتمال كبير باصطدام عسكري مع « حماس ».

هو عائد للتو من جولة قام بها في الشرق الأوسط، استنتج خلالها ان اسرائيل في معضلة، فاذا توصلت الى اتفاق مع السلطة الفلسطينية فإن تطبيقه لن يتم، لأن رئيس السلطة محمود عباس لا يملك القدرة على فرض الاتفاق على الشعب الفلسطيني كله . يضيف محدثي السياسي الغربي، ان نصف الشعب الفلسطيني موجود في غزة، لكن القسم الموجود في الضفة يتوقع سيطرة قريبة لـ«حماس » على الضفة، « من هنا اقول ان اسرائيل بين المطرقة والسندان ».

هناك حديث عن مؤتمر سلام يُعقد في موسكو نهاية الشهر المقبل، وعن مؤتمر آخر يُعقد في برلين في شهر حزيران ( يونيو ) المقبل، لكن، يقول السياسي الغربي، هناك ايضاً توقع استقالة محمود عباس « هو يكرر ذلك علناً » ، وبعده قد يأتي الفلسطينيون بصائب عريقات أو يستدعون نبيل شعث من مصر . « لكن هذا لن يغير شيئاً على الأرض . ان « حماس » قوية وتزداد قوة، والحديث في اسرائيل عن انه لا مفر من الاجتياح، تماماً كما حصل عام 1982 في لبنان، وما رأيناه في لبنان ذلك العام سنراه في غزة، انما سيكون اقوى بكثير ». ويضيف : « ان الاوضاع السياسية في اسرائيل سوف تتغير، وسيعود « الليكود » الى السلطة، وسيكون هذا العام مليئاً بالتطورات».

واسأله : هناك الكثير من المسؤولين العسكريين والأمنيين الاسرائيليين يطرحون دعوة « حماس » الى طاولة المفاوضات ووحده مئير داغان رئيس « الموساد» يرفض ذلك، يجيب انه من خلال اتصالاته لاحظ ان الموقف الرسمي الاسرائيلي لا يجد مبرراً للتفاوض مع « حماس» لأنها تدعو الى تدمير دولة اسرائيل، « وهذا لا ينفع كأساس للحوار ثم ان اسرائيل تضع شرطاً للتفاوض مع « حماس» وهو الاعتراف المتبادل ».

ويوضـح السياسـي الغربـي : « ان « حماس » لن تعترف بأي اتفاق يتوصل اليه عباس، لذلك لا يستبعد استقالة محمود عباس في نهاية العام . واذا استقال : « فلن يعود من احد في نظر اسرائيل للتفاوض معه، لأن مروان البرغوثي سيبقى في السجن ».

واقول : لكن هناك اصوات تطالب باطلاق سراح مروان البرغوثي ضمن صفقة اطلاق الجندي المخطوف جيلعاد شليط، فيجيب، ان لا حديث جدياً عن اطلاق سراح البرغوثي «سمعت ان الوزير بنيامين بن اليعازر يدعو الى اطلاق سراحه، لكن معظم القادة العسكريين يرون ان البرغوثي اذا ما اُطلق سراحه فلن يكون معتدلاً، هو من قاد الانتفاضة، لم يكن حمامة بل كان صقراً، ومن المؤكد انه يريد اثبات وجوده في وجه « حماس ».

ويعود محدثي السياسي الغربي الى الحديث عن احتمال استقالة محمود عباس مع نهاية العام الحالي ، عندها ستصل الاطراف الى طريق مسدود ويقول : « لذلك هناك ضغط دولي واوروبي على رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت للتوصل الى اتفاق مع الفلسطينيين . يرغب الاميركيون والاوروبيون ان تنسحب اسرائيل الى حدود 1967 المعدّلة، بأن يتم ضم ثلاث كتل استيطانية الى اسرائيل : غوش اتزيون، معاليه ادوميم وارييل، اما باقي المستوطنات فتُفكك . هناك ضغط قوي من البيت الابيض على اسرائيل، ونلاحظ ان وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس تأتي كل اسبوعين الى اسرائيل . والاسبوع الذي لا تأتي خلاله تتوجه وزيرة الخارجية الاسرائيلية تزيبي ليفني الى واشنطن . الخطة المطروحة في ما يتعلق باللاجئين التوصل الى « كوتا » معينة، فإذا تم الاتفاق مع عباس لاعادة 50 الفاً منهم الى الضفة، فعليه ان يضمن بناء منازل لهم وتوفير فرص عمل . لكن ما الذي سيحل بالباقين؟ ».

واسأله وماذا عن القدس؟ يقول : « ان الحل الذي طرحه الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون لا يزال مقبولاً، بأن يكون الحي الاسلامي والحي الأرمني للدولة الفلسطينية، والحي المسيحي والحي اليهودي لاسرائيل . مسجد الاقصى للفلسطينيين وحائط المبكى لاسرائيل» ويضيف : « ان هذا الحل قد ينجح اذا دعم العالم الاسلامي محمود عباس ».

وما سيكون مصير اللاجئين الفلسطينيين في لبنان مثلاً؟ يقول : « ان التوطين مطروح . ان 60 % من الفلسطينيين في لبنان من دون الثلاثين من العمر ولدوا في لبنان الذي صار بمثابة وطنهم . كان هناك تفكير بعرض السفر عليهم الى اوستراليا أو كندا لكن أي دولة في العالم تريد « عصبة الانصار» لديها . انهم مقيمون في لبنان ولبنان تغير ».

ويلفت محدثي الى ان الرأي العام الاسرائيلي لا يضغط على حكومته لتوقيع اتفاق سلام مع الفلسطينيين وقد اخبروه، ان الاسرائيليين قبل انسحابهم من غزة عرضوا على مسؤولي السلطة التنسيق لمنع « حماس» من السيطرة، فرفضت السلطة وقالت : اذا لم نتفق على القدس، فانسوا التنسيق بخصوص غزة .

واسأله : لماذا لا تنسحب اسرائيل من الضفة لتتسلم مكانها قوات دولية؟ يجيب انه سأل مثل هذا السؤال واكتشف ان تجربة اسرائيل مع القوات الدولية في جنوب لبنان سيئة، اما تلك التي في سيناء او الجولان فلم تحدث معها اية مشاكل، لأن مصر وسوريا ملتزمتان بالاتفاقات المبرمة مع اسرائيل . وللدلالة على ضعف الشرطة الفلسطينية يقول انه في مدينة نابلس مثلاً، فإن الشرطة الفلسطينية تعمل في النهار، والاسرائيليين يتسلمون الليل، « هذا يعني ان هناك مشكلة أمنية كبرىِ ».

كان كثر الحديث عن تفكير اسرائيلي باقتحام غزة، خصوصاً بعدما رفضت اسرائيل رسمياً اقتراح رئيس وزراء « حماس» اسماعيل هنية بأنه مستعد للحوار حول موضوع التهدئة، ويوضح محدثي : « انه اذا تفاوضت اسرائيل مع هنية فإنها تقوّض مكانة ابو مازن، ويعتقد الرأي العام الفلسطيني بأن « حماس » هي الاساس، وليس ابو مازن»، ثم يضيف : « ان اسرائيل تبحث اقتحام او اجتياح مناطق في غزة انما ليس احتلالها، وتجري حالياً دراسة الخسائر المتوقعة . وتتركز الافكار على اقتحامات جزئية، كاقتحام شمالي قطاع غزة وايجاد منطقة عازلة لوقف اطلاق الصواريخ » ، ويقول : « عندها ستبرز مخيمات الوسط كالبريج، ونصيرات والشاطئ، كما سيبرز عدد الضحايا المدنيين . ان « حماس » تدرك هذه المعضلة التي تواجه اسرائيل ».

ان الوضع الآن، يُذّكر محدثي بوضع جنوب لبنان في نهاية السبعينات عندما تحول الجنوب الى « فتح لاند » ، حيث « قبض» الفلسطينيون على لبنانيي الجنوب، وكانوا يطلقون صواريخ الكاتيوشا على شمال اسرائيل ثم يتاورون . يومها قامت اسرائيل بعملية 1978 ولم تنجح، « فكان لا بد من الاجتياح الكامل عام 1982، لذلك يبدو ان الحل الوحيد لمشكلة غزة هو حل عسكري . قد يكون هناك شريك فلسطيني ومسار تفاوضي لكن بوجود « حماس » فلا امل حقيقياً في الوصول الى اعتراف فلسطيني كامل باسرائيل، لذلك هناك شعور في اسرائيل بأنه لا مفر من دخول غزة، وهناك دعم لاجتياح عسكري وتفهم شعبي للثمن الذي سيُدفع ».

يبدو أن الحرب مع « حزب الله» والانقلاب في غزة غيرا وجهة النظر الاسرائيلية برأي محدثي، فاليسار غير موجود و«حزب ميريتز » الذي كان على يسار « حزب العمل» انتهى، و«كاديما » سيخسر في الانتخابات المقبلة، وبنيامين نتانياهو سيكون رئيس الوزراء المقبل، وهذا يعني ان الرأي العام الاسرائيلي صار الى جانب اليمين وليس الوسط . ويقول محدثي ان وجهة النظر اليمينية تقوم على القبضة الحديدية بمواجهة الفلسطينيين و«حزب الله » ، ويقول : « انه لمس ان اسرائيل بعد حرب تموز لن تدخل معركة اطول من اربعة ايام، هكذا كانت العملية الاخيرة في غزة ».

ولكن ماذا عن دور مصر : يجيب : « ان هناك اتصالات بين اسرائيل ومصر وبين « حماس» ومصر ». لكن لا وجود لوساطة مصرية من اجل التوصل الى صفقة، وسمعت عن اتصالات تجري بين مسؤولين من امن الدولة في مصر وعائلة دغمش التي تعتقل شليط، وهناك حديث عن اطلاق اسرى».

وماذا عن توجيه اسرائيل التحذير الى سوريا وتحميلها مسؤولية اي عملية يقوم بها « حزب الله»؟ يجيب : « انها لردع سوريا . فهي التي تزود « حزب الله » بأسلحة من ايران وتغطي عليه، وتوفر ملاجئ آمنة لعناصره كما فعلت مع عماد مغنية . ويبدو ان اسرائيل تريد عنواناً فاذا حصل شيء من قبل « حزب الله » فإن اسرائيل تقصف العنوان . انها لا تريد الحاق خسائر مدنية واقتصادية في جنوب لبنان للمرة الثانية، هي تحتاج الى حكومة مسؤولة، لذلك اذا وقع شيء على حدود اسرائيل او ازمة على حدودها مع لبنان فان سوريا سوف تدفع الثمن، وقد تم ابلاغها ذلك بقنوات غير مباشرة والرسالة وصلت ».

ولماذا التغيير في الموقف الآن بخلاف ما حصل عام 2006؟ يجيب : « لأن اي تورط في جنوب لبنان سيطول ويقتضي اجتياحاً، اما اذا وقعت ازمة على الحدود الشمالية، فلن يحدث اجتياح لسوريا، انما ضرب مواقع داخلها ». ويضيف : « في اسرائيل يتذكرون الرئيس حافظ الأسد . حيث كان الأسد الأب يومئ برأسه فينفذ « حزب الله » ، مع بشار الأسد انقلبت الأوضاع، وتغيرت العلاقات ما بين دمشق و«حزب الله » ، وفي الشرق الاوسط ايضاً يتذكرون عبد الله اوجلان وحافظ الأسد وتركيا ».