الناخب الأسود.. بين أوباما وكلينتون

TT

لعقود من الزمن ظل نقاد التمييز لصالح الأقليات في فرص العمل على الجانبين يجادلون بأن السياسة ترتاب بمواهب ومؤهلات الأقليات التي تستفيد منها. وقد أصروا على أن ذلك يخلق غيمة من الشك حول السود الناجحين أو الطلاب والمهنيين من أصول إسبانية. وذلك يجعل البيض يتساءلون عما إذا كان زملاؤهم من الأقليات «يكسبون» مواقعهم حقا.

وينتهي الأمر إلى أن أولئك النقاد على حق بشأن موضوع الشك. ومن الجلي انه لا يتعين عليك أن تكون مستفيدا عمليا من إجراءات التمييز لصالح الأقليات لكي تتهم بامتلاك مزية غير نزيهة.

وملاحظة جيرالدين فيرارو من انه «لو كان باراك أوباما رجلا أبيض فانه لن يكون في هذا الموقع» ليست عنصرية بحد ذاتها. إنها لا تفترض تبعية عنصرية من جانب أي شخص أو مجموعة. ولكنه شيء يعكس الفظاظة والجهل، ومن سوء الحظ، كل ما هو انعكاسي للمشاعر الشائعة والمتنامية في عصر ما بعد الحقوق المدنية.

وفي عام 1999 أجرت «سياتل تايمز» استطلاعا كشف عن أن 75 في المائة من البيض وافقوا على القول إن «أفراد الأقليات غير الكفوءين يحصلون على فرص عمل أكثر من البيض الكفوءين» في معظم أو بعض الأحيان. وشعر ثلثان بالشيء ذاته عندما سئلوا حول الترقيات الوظيفية والدخول إلى الكليات. وسواء كانت خسارة البيض واقعية أم متخيلة فقد أظهر الاستطلاع أن عددا كبيرا من البيض يشعرون بأنهم مهددون ليس فقط عبر الارتقاء وإنما عبر تقدم الأقليات نفسها. ومن الجلي أن معظم أفراد الأقليات الذين يرتقون السلم المهني ليسوا غير مؤهلين. ولكن ما هو أكثر إثارة للمشاكل في تعليق فيرارو هو أنها كانت تبدو عمياء تجاه دلالات كلامها وعبثياتها. وعلى خلاف فيرارو في عام 1984 فان أوباما أقام مكانته عبر أشهر كثيرة وكثيرة من الارتقاء من الأرض وجمع التبرعات والأموال ووعي الناخبين. فأين فعل التمييز لصالح الأقليات؟

ولو أن فيرارو كانت قد أوضحت ملاحظاتها (وكانت لديها فرص كثيرة للقيام بذلك في التلفزيون الأسبوع الماضي)، وربما توضيح ما كانت تعنيه بالدور الذي لعبه سواد أوباما في جاذبيته، فلعلها كانت قد أنقذت دورها في حملة كلينتون، ولكن كانت ما تزال على حق جزئيا فقط.

لأن المثير للاهتمام في اوباما ليس أصله الأفريقي ـ الاميركي كما يظهره. انه يستخدم اللغة والشعور بالفخر لدى المجموعة والوحدة الوطنية. على العكس من كثير من الزعماء السود – الذين يخلقهم الإعلام في معظم الأحيان ـ لا يستخدم اوباما الرسائل الضيقة المرتبطة بالشعور بكون الشخص ضحية، كما انه لا يستخدم منطقة «نحن مقابل هم».

بدلا عن قضاء الكثير من الوقت في الحديث حول العنصرية، التاريخية وغيرها، يروج اوباما لشكل من الأشياء التي يمكن عملها جماعيا. انه يسوق نفسه كرمز للمصالحة ويعرف أن الأحاديث عن العنصرية من أسرع الطرق لتنفير الناخبين البيض بعد أن سئموا من جعلهم باستمرار يشعرون بالذنب تجاه الظلم الاجتماعي.

ولكن بعد شكوى حملة اوباما بشأن لهجة فيرارو (وصفها بأنها سخيفة وخاطئة) اتهم فيرارو بوصفها بالعنصرية. مرشح الرئاسة الذي حالفه الحظ لأنه اسود لم يهرب من الصورة النمطية على الرغم من كل جهوده. في نهاية الأمر سعت تصويره كونه «زعيما اسود لحركة حقوق مدنية» لم يتوقف عن الحديث عن العنصرية: باراك اوباما كالقس آل شاربتون.

لا يؤثر أي من هذه الأشياء كثيرا إذا كان هذه الكلمات هي ما تفوهت به عاملة في حملة كلينتون. إلا أن فيرارو لها تاريخ في سياسة الحزب الديمقراطي. تعليقاتها، بالإضافة إلى أن تعليقات الرئيس السابق كلينتون في مقارنة كسب اوباما في ساوث كارولاينا بفوز جيسي جاكسون في نفس الولاية عام 1984 يكشف عن تجاهل متهور للسود في المراتب العليا للحزب الديمقراطي. نعم، سينسى كل شيء إذا كسب اوباما الترشيح، وسيحدث العكس إذا لم ينتصر.

الجمهوريون يجب ألا يشعروا بالشماتة. إشارة فيرارو الضمنية إلى استياء البيض إزاء سياسة مكافحة التمييز في التعليم والوظائف كانت عبارة عن نسخة سيئة من «استراتيجية الجنوب» للرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون.

ماذا يحدث في حال أصبح الناخبون السود ساخطين تجاه الحزب الديمقراطي؟ لأن الحزب الجمهوري لا يقبلهم، ربما يمتنع هؤلاء الناخبين عن العملية. وكما يجب أن يدرك أي شخص له أقل معرفة بالتاريخ، فإن وجود عدد كبير من الأميركيين السود الذين يشعرون بالعزلة عن النظام السياسي وعدم وجود مكان لهم يقبلون عليه لا يؤدي إلى نتائج سلبية على السود فقط بل على البلد بكامله.

الوقت الآن مناسب لمؤيدي هيلاري كلينتون كي يدركوا أن هناك أشياء أكثر أهمية من الانتصار.

*خدمة «لوس أنجليس تايمز»

خاص بـ«الشرق الأوسط»