هل من بدائل لهدف الدولة الفلسطينية؟

TT

لماذا يتشبث الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالمفاوضات كخيار وحيد لاستعادة الحقوق الفلسطينية، بالرغم من تعثرها المتوالي؟ وهل يمتلك الفلسطينيون بدائل أخرى لاستعادة الحقوق الفلسطينية غير هدف الدولة الفلسطينية المعلن على الأراضي الفلسطينية المحتلة في عام 1967؟ وهل في جعبة الفلسطينيين من بدائل أخرى في المستقبل فيما لو فشلت المفاوضات في تحقيق هدف الدولة؟ وهل لدى الفلسطينيين أية رؤية للمستقبل؟

الرئيس عباس ماض في طريق السلام، ولكن من دون أن يكون متأكدا، على ما يبدو، من أن هذا الطريق ستوصله إلى المبتغى. ولكن لماذا يصر الرئيس على المضي في هذا الطريق على الرغم من كل ما يشير إلى الفشل؟ ربما كان التفسير القائل، أن ليس أمام الرئيس إلا الالتزام بهذا الطريق كي يتجنب الأسوأ، ولكي يضمن استمرار دعم الولايات المتحدة الأمريكية والدول المانحة لشعبه الذي بات يئن من وطأة الحصار والجوع، يجيب عن بعض من هذا السؤال المتعلق بنهجه الحالي إزاء المفاوضات، كما أن الإجابة الأخرى القائلة أن الفلسطينيين جربوا خيار العنف في انتفاضتهم الثانية وجاءت نتائجه وبالا عليهم وعلى قضيتهم، تجيب عن الجزء الآخر؛ إلا أن هذين التعليلين ربما لا يكونا مقنعين بدرجة كافية. فأبو مازن الذي صقلته التجارب والمحن التي مر بها الشعب الفلسطيني بات يدرك أن الحرد وإدارة الظهر للمفاوضات التي ترعاها واشنطن، على الرغم من معرفته المسبقة بعقمها، لا بد أن يفترض مسبقا وجود استراتيجية أخرى ورؤى مختلفة للعمل الفلسطيني غير متوفرة حاليا. الرئيس عباس يدرك أيضاً أنه لا يمكن اجتراح المعجزات من خلال شخصه أو من خلال ممارسته لسلطته ودوره، مهما كان هذا الدور أساسيا ورئيسيا. وهو يظل محكوما بطريقة أو بأخرى بالوضع الداخلي الفلسطيني وبصورة أكثر خصوصية بحركة «فتح» التي تعتبر مركز الثقل أو العمود الفقري للسلطة الفلسطينية؛ هذه الحركة التي ما زالت تحكمها التجاذبات وتمزقها الخلافات الداخلية التي لا تحمل من سمات السياسة إلا الاسم فقط. وهي ـ إضافة إلى كل هذا وذاك ـ حركة غير منسجمة داخليا وليس لديها رؤى محددة أو بديلة تمكنها من العمل بها في حال فشلت محادثات السلام في الوصول إلى الهدف المنشود فلسطينيا. وربما لا نذيع سرا إذا ما قلنا أن حركة فتح لا تسير كلها على خطى الرئيس عباس، حتى وإن امتلك الرئيس رؤية بديلة. وإن الخلافات العميقة في داخلها، هي ما يمنعها من تقديم رؤى مستقبلية جديدة؛ إلا أن هذا لا يعني في مطلق الأحوال الاستكانة لحالة التشرذم والتجاذب الحالية من دون التقدم لطرح رؤية سياسية فلسطينية متكاملة للمستقبل.

من هنا نجد أن الوقوف والمراوحة عند حل الدولتين سيكون خطرا على الفلسطينيين في المستقبل. فالمؤشرات في معظمها لا تشير إلى أي تقدم عملي في هذا المضمار، فسياسة الاستيطان والاجتياحات الإسرائيلية المتكررة للمناطق الفلسطينية، كما سياسة الحصار والإغلاقات، لا تترك مجالا لنجاح أية مفاوضات سلمية على المدى المنظور أو البعيد. وفي الوقت نفسه، نجد أن الاختلال الهائل في موازين القوى بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي هي الأخرى لا تساعد على تحقيق ما يصبو إليه الفلسطينيون. ولعله من الخطأ الاستكانة لما يعلنه الرئيس الأمريكي جورج بوش في سعيه لرؤية حل الدولتين قبل انتهاء ولايته في نهاية هذا العام. بل إن المصلحة الوطنية للفلسطينيين تقتضي التقدم أكثر فأكثر لطرح حلول بديلة. وهذا لا يعني نفض اليد من خيار السلام كخيار استراتيجي والعودة إلى الكفاح المسلح، بل يعني وجوب توسيع دائرة الخيارات البديلة والتهيئة للكفاح السلمي، ولكن وفق خيارات أخرى يمكنها تلبية الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية. من بين هذه الخيارات على سبيل المثال لا الحصر، خيار الدولة الديمقراطية الواحدة لجميع مواطنيها من العرب واليهود، أو الدولة الديمقراطية الثنائية القومية.

قد يقول قائل إن إسرائيل لن توافق على مثل هذه الخيارات؛ ولكن إسرائيل أيضا تمارس على الأرض كل ما هو مضاد لفكرة الدولة الفلسطينية المستقلة. بيد أن مثل هذين الخيارين سيكون لهما بالتأكيد صدى عالميا مؤيدا إذا ما تم العمل على أساسهما وتحضير الرأي العام الفلسطيني والإسرائيلي والعالمي بطريقة منهجية وجدية، خصوصا أن العالم الحر الذي ينحى منحى التوحد في التجمعات الكبيرة بات ينفر من صيغة الدولة الدينية أو صيغة الدول القائمة على أساس عرقي أو ديني. المهم أن يخرج الفلسطينيون من شرنقة الدولة الواحدة إلى فضاء الخيارات الأوسع.

* صحافية فلسطينية مقيمة في فيينا