ثقافة .. الخلاف الثقافي

TT

ربما كانت الحدة التي اتسم بها رد فعل حزب الله «اللبناني» على أدراج وثيقة قوى «14 آذار» الخلاف القائم معه حاليا في خانة صدام نظرتين ثقافيتين متباينتين الى مستقبل النظام اللبناني تأكيدا لا شعوريا على صحة هذا التوصيف.

لا يختلف لبنانيان على ان ما ذكرته وثيقة «14 آذار» من ان لبنان لم يكن يوما، في تاريخه الحديث، على هذه الدرجة من الانقسام الحاد، الامر الذي يسمح بالافتراض ان هذا الانقسام ، لو كان سياسيا، لما استعصى حله على كل المبادرات السياسية التي تعاملت معه من مختلف الجهات الداخلية والاطراف العربية والدولية، ما يبرر تأكيد قوى «14 آذار» أن «أعمق» ما في خلافها مع حزب الله هو «البعد الثقافي». واضح ان خلاف الاكثرية البرلمانية في لبنان (قوى 14 آذار) وحزب الله ليس على «وزير بالزائد أو وزير بالناقص»، على حد تعبير رئيس الحكومة اللبنانية، فؤاد السنيورة، بل على مستقبل النظام اللبناني ككل، واستطرادا مستقبل حقوق وواجبات اللبنانيين في وطنهم...فلماذا المكابرة في نفي «البعد الثقافي» للخلاف الكياني القائم في لبنان وجذوره الحقيقية تعود إلى أيام «لبنان الكبير»، أي الى عام 1920. ربما كان الاجدى بحزب الله ان يعترف بالبعد الثقافي لخلافه السياسي مع قوى «14 آذار» من ان يلجأ الى الاستخفاف به وتجاهله ببيان تخويني لكل مكونات «14 آذار» تطرح لهجته، مرة اخرى، تساؤلات عن «ثقافة» خلافه الثقافي مع الاكثرية البرلمانية.

حبذا لو اعترف حزب الله بالهوة الثقافية ـ السياسية التي تفصله عن قوى «14 آذار» وانطلق منها ليطور سلبيات خلافه مع «14 آذار» الى ايجابيات للوطن، فليس المطلوب، آنيا على الاقل، ان يتخلى حزب الله عن طروحاته «القومية» ـ وان كانت تبدو امتدادا خارج زمانه لذهنية عصر سياسي عربي كان شعاره الابرز «لا صوت يعلو على صوت المعركة» ـ بل العمل على توضيب الانقسام الثقافي بين الموالاة والمعارضة في إطارين حزبيين واسعين ينشطان على مدى «الساحة اللبنانية» ليحتكما الى اللبنانيين في أول انتخابات برلمانية يمكن اجراؤها على اسس تضمن تمثيلا افضل للرأي العام اللبناني. لا تزال الفرصة سانحة لتحويل هذا التباين الثقافي بين الموالاة والمعارضة الى مواجهة سياسية حضارية وديمقراطية وتحويل وجهتي النظر المتصادمتين ثقافيا وسياسيا الى تكتلين حزبيين عريضين. ولأن الانقسام القائم بين الاكثرية والمعارضة يتعدى الاطر المذهبية التقليدية ( رغم توفر أكثرية سنية ـ درزية في جبهة الموالاة وأكثرية شيعية في جبهة المعارضة) فقد تكون الجدوى الوطنية الابرز من اصطفاف سياسي وفق هذين الخطين تحويل لبنان الى نظام حزبي ثنائي يعزز الديمقراطية البرلمانية ويقلص دور العامل الطائفي والمذهبي في الانتخابات ويعطي للاكثرية حقها الشرعي بممارسة الحكم باسم كل اللبنانيين وللاقلية حقها الديمقراطي في المعارضة.

لو كانت الرؤية المستقبلية للبنان المستقل الاعتبار الطاغي على تصرف حزب الله السياسي لقدم حسّ المسؤولية الوطنية على اللهجة الانفعالية لردة فعله على وثيقة مؤتمر «ربيع لبنان» وواجهها بوثيقة مضادة يترك للبنانيين الحكم عليها ديمقراطيا.

ورغم انها تبدو فرصة أخرى مفوتة، يبدو احتمال الانتقال من أدبيات التهديد والوعيد والتخوين إلى أدبيات بناء الوطن الواحد أقرب منالا مما كان عليه قبل صدور وثيقة مؤتمر «ربيع لبنان 2008»، فبقدر ما تعتبر هذه الوثيقة أول محاولة جدية من قوى الاكثرية البرلمانية لتوحيد رؤيتها للقضايا الرئيسية التي يواجهها لبنان في أزمته الخانقة... بقدر ما سيتساءل اللبنانيون: لماذا لا يقابلها حزب الله بتطوير «ورقة التفاهم» التي وقعها مع حليفه الجنرال ميشال عون الى وثيقة رؤية مقابلة لمستقبل لبنان؟