السعودية: نتفاءل أم نتشاءم؟

TT

للإجابة عن السؤال أعلاه لا بد أن يحدد المرء الزاوية التي ينظر منها إلى السعودية، ولتتضح الرؤية سأسرد هنا موجزا، ذا دلالة، لأحداث أسبوع سعودي واحد:

ـ خادم الحرمين الشريفين يلقي خطابا في الشورى، من أبرز مضامينه قوله إن الحرية المسؤولة حق لكل النفوس الطاهرة المحبة لمكتسبات الوطن الروحية والمادية.. وأعلن فيه أنه لم يتردد يوما في توجيه النقد لنفسه إلى حد القسوة المرهقة.. مؤكدا أن بلاده لا تسمع نداءات الجاهلية، ومشددا على أن فترة الفوضى والشتات التي قضى عليها الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، رحمه الله، ذهبت بلا عودة، وأن الانتماء للوطن يجب أن يكون انتماء يقدر الصعوبات ويحيلها إلى تصميم وإرادة وتغيير.

ـ عالم سعودي يتعرض لهجمة شرسة والسبب أداؤه للعرضة السعودية في عرس قريب له.

ـ الملك السعودي وإخوانه، أركان الحكم السعودي، يقومون بأداء العرضة السعودية، التي وصفها خالد الفيصل شعرا بالقول «اليوم عرضة.. نشوة السيف والخيل»!

ـ مجموعة تطلق فتوى تكفير وترهيب بحق كاتبين سعوديين تصل إلى حد إهدار دمائهما، إن لم يتوبا عن ما كتباه؟

ـ مفتي السعودية حاضر في المدينة المنورة بعنوان «الإرهاب وخطره على الفرد والمجتمع» قال فيها: المصيبة التي حلت بأهل الإسلام تتمثل في التسارع بإغداق التكفير والتفسيق، على رغم أن الدين حذر من هذا المسلك الوخيم، «فمن قال لأخيه يا كافر رجعتْ إليه».

ـ هيئة التمييز السعودية ترفض حكما قضائيا يبرئ اثنين من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في تهمة قتل مواطن سعودي.

ـ السعودية تقر خطة جديدة لتدريب 40 ألف إمام مسجد في كافة المناطق على ثقافة الحوار ومهارات الاتصال، وسيقوم بهذه المهمة مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني بالتعاون مع وزارة الشؤون الإسلامية.

ـ هيئة الرقابة والتحقيق السعودية تقول إن أمراء المناطق يطالبون بالبدء بالتدقيق في مكاتبهم ولا خطوط حمراء في العمل الرقابي.

كل هذه عناوين سعودية، فمن أين ينطلق المحلل بالتحليل لمعرفة ما يدور في السعودية، وتحديد التفاؤل أو التشاؤم. قبل أسبوع وللإقامة في الرياض اضطررت للجوء إلى الواسطة لأجد غرفة في فندق، فهناك حفل الجنادرية، ومعرض الكتاب، وجائزة الملك فيصل، ومهرجان المسرح السعودي، وغيرها، وبالطبع لم تغب المرأة عن تلك الفعاليات.

فهل ننساق خلف طرح يشابه ما ذهبت إليه إحدى وكالات الأنباء عندما قالت إن صراعا يدور في السعودية بين الليبراليين والمحافظين؟ الإجابة بكل تأكيد لا! الحكومة السعودية ليست ليبرالية، والمفتي ليس ليبراليا، وهيئة التمييز ليست ليبرالية، والكتاب يحملون فكرا، لا سلاحا.

إذاً ما الذي يدور في السعودية؟ قناعتي أنها عجلة التحديث والانطلاق تدور بكامل قوتها للسير بالبلاد إلى الأمام، والتحديث مثل المطر له كاره ومحب. ولذلك أنا متفائل، وأعتقد أن عجلة التطوير انطلقت، كالقطار السريع على قضبان حديدية تحدد معالم الطريق، لا على كثبان رملية. متفائل لأن العجلة دارت، والمنكرون باتوا ردود فعل، لا أصحاب مبادرة. 

[email protected]