الكويت ما بعد استقالة الحكومة

TT

في خطوة مفاجئة استقالت الحكومة الكويتية، في احتجاج واضح على ما اعتبرته عرقلة البرلمان لعملها من خلال حركة الاستجوابات المتلاحقة التي لا يكاد يمر شهر من دون أن يؤدي احدها الى تأجيج الاحتقان السياسي في الإمارة الهادئة.

ذهبت بعض التوقعات الى ترجيح حل الأمير الشيخ صباح للبرلمان، اما مؤقتا ـ كما يحق له دستورياً ـ من اجل تنظيم انتخابات تشريعية جديدة، او بصفة دائمة كما حدث مرتين من قبل آخرهما سنة 1986. ولا شك ان الخيار الثاني مستبعد، لعدة أسباب جوهرية أهمها اثنان هما:

أولا: تم حل البرلمان سابقا في ظرفية صراع سياسي حاد بين الأسرة الحاكمة والتيار الليبرالي القومي الذي كان متأثرا أوانها بالخطاب الثوري الراديكالي المناوئ لأنظمة الحكم المحافظة، في حين لا يوجد اليوم أي تناقض جذري بين هذا الاتجاه وأمير البلاد الجديد الذي يعتبر قريبا من الخط الليبرالي التحديثي، وقد قرب العديد من رموزه الذين يستند إليهم بوضوح في الاستشارة ورسم القرار. أضف الى هذا العامل ان هذا التيار لم يعد القوة السياسية الرئيسية في المجلس التشريعي الكويتي الذي تهيمن عليه الكتلتان السلفية والقبلية.

ثانيا: إذا كانت التجربة الديمقراطية الكويتية التي تعود لفجر الاستقلال قامت تقليديا على عقد ضمني بين القوى الثلاث الفاعلة في الحقل السياسي وهي الأسرة الأميرية الحاكمة والبورجوازية التجارية والمجتمع المدني بتركيبته الثقافية الإيديولوجية، فان هذا العقد قد تم تجديده خلال المؤتمر الوطني الذي انعقد في المملكة العربية السعودية أيام الاحتلال، ومن أهم بنوده الحفاظ على المسلك الديمقراطي للحكم إطارا لتوطيد الوحدة الوطنية والدفاع عن استقلال البلاد. ومن ثم لا يتوقع أي مس بهذا التوافق الذي شكل نقطة مرجعية مقدسة في الحقل السياسي الكويتي.

ولذا فان قرار الحل المؤقت في اتجاه استحقاق تشريعي جديد يبدو السيناريو الوارد راهنا، بيد ان السؤال المطروح هو كيف يمكن ان يفضي هذا الاستحقاق الى تغيير جوهري في المعادلة السياسية الكويتية التي ظلت ثابتة لم تتغير منذ تجديد الحياة الديمقراطية في البلاد بعد تحريرها عام 1991؟

ولنبادر بالإشارة الى ان المأزق الذي أدى الى استقالة الحكومة لا يبدو سياسيا يرجع الى تضارب في الخيارات الإيديولوجية او المقاربات النسقية الكبرى (حتى لو كان هذا المعطى حاضرا)، كما ان الأسرة الحاكمة ليست حاضرة فيه بصفة مباشرة، وإنما يمكن ان نرجعه الى محورين هما:

أولا: خط الانفتاح والتحديث الاجتماعي، الذي يبرز في اغلب الاستجوابات التي تعلقت بقطاعات التربية والتعليم والثقافة، وكان الغرض الواضح منها استهداف الوزراء المحسوبين على التيار الليبرالي منذ المرحوم احمد الربعي أيام توليه لوزارة التربية الى الوزيرة الحالية. فالمجموعة السلفية النشطة في البرلمان تحالفت مع الكتلة القبلية المحافظة في الوقوف ضد السياسات الإصلاحية والتحديثية، حتى الخطوات الشكلية البسيطة التي حملتها دلالات تدميرية وهمية.

ثانيا: صراع مواقع ومصالح (مشروع لا محالة) بين قوى اقتصادية واجتماعية، يتلبس لبوسا سياسيا مموها، في إطار ما دعوناه مسبقا تضخم المطلب السياسي في المجتمعات العربية، أي تحميل النشاط السياسي أهدافا وتطلعات مكانها الصحيح في دوائر التنظيم والصراع الأخرى التي لا تتعلق مباشرة بالمجال السياسي من حيث هو مجال التصورات والمواقف ذات الصلة بالهوية الجماعية المشتركة.

ودون الخوض بالتفصيل في الشأن السياسي الكويتي، نكتفي بالإشارة الى ان هذه التجربة الرائدة في المنطقة الخليجية والعربية، تعاني حاليا من ثلاث نقاط ضعف قد تفسر الأزمة الراهنة، وهي باقتضاب:

ـ غياب الأحزاب السياسية، على الرغم من وجود منابر رأي منظمة على غرار التشكيلات الحزبية. ولا شك ان السماح بتشكيل الأحزاب سينتج عنه وضع ضوابط تحكم الحياة السياسية المنظمة، مما يضفي مزيدا من الشفافية على الواقع السياسي.

ـ عدم الفصل بين الأسرة الأميرية الحاكمة والحكومة في تركيبة السلطة، استكمالا لخطوة الفصل بين ولاية العهد ورئاسة الحكومة. ولا يتعلق الأمر هنا بتقييد سلطة الأمير في الشأن السياسي، وإنما بخلق الظروف الملائمة لأداء الأمير لدوره كحكم ومرجع أعلى للقرار (كما هو الشأن مثلا في التجربة المغربية).

ـ الفصل بين الحكومة والبرلمان، الذي لا يزال غير مكتمل بالنظر لعضوية الوزراء الاستحقاقية في الهيئة التشريعية التي تؤثر سلبا على التوازن المطلوب بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.