لا ما يحزنون ولا ما يفرحون

TT

الله أكبر .. كم في هذا الحزن من شجن.

يقولون: لا يعرف الشوق إلاّ من يكابده، ولا الصبابة إلاّ من يعانيها. وهذا صحيح (100/100) ـ خصوصاً إذا كان ذلك صادر من إنسان عاطفي النزعة ـ .

أما اليوم فلا شوق عندي ولا صبابة ولا مكابدة ولا معاناة ولا (ما يحزنون ويفرحون)، وقد انطبق عليّ قول الشاعر: (يبكي ويضحك لا حزن ولا فرح). فلست بصدد حديث عن هكذا شوق أو هكذا صبابة، فللعواطف فرسانها والحمد لله إنني لست منهم، فقد استسلمت ورميت سلاحي نهائياً قبل (حين من الدهر) من كتابة مقالتي هذه. ولكنني لا أخفيكم انه من شدّة ما قاسيته من إحباط وألم وفشيلة من جراء هزيمتي تلك، أصبحت متبرّما و(نفسي شينه) وعلى طرف خشمي، مثلما يقولون.

رجعت إلى منزلي متثاقلاً وأجر خطى الخيبة.. رميت العقال يميناً، والشماغ شمالاً والحذاء أماما وخلفاً، وفتحت أزرار ثوبي على الآخر، وأطفأت الأنوار، وأشعلت المكيف ورزعت حالي بكل ثقلها وكل ما فيها على (الكنبة)، سوّلت لي نفسي أن أنفخ سيجارة غير أنني ردعتها لأن ذلك العبث مضر بالصحة مثلما يحذرنا الأطباء، غير أن نفسي الخبيثة حاججتني بكل (قواية عين) قائلة: وتحافظ على نفسك ليه، إذا كنت مهزوماً، وحالتك (مطينة)، ودنيتك خربانة خربانة، أحسن لك اتكل على الله (وفرفش) واللي ينزل من السماء تستلقاه الأرض. وأعجبتني تلك النصيحة (الزفتاوية) الصادرة من نفسي، وقررت فعلاً أن أفرفش.

وأول ما خطر على بالي (الثلاجة) باحثاً عن شيء بارد يخفف من لهيب النيران المشتعلة في كبدي وكذلك في أعماق قلبي، أخذت زجاجة كاملة من مياه (البيريه) وقربعتها دفعة واحدة في جوفي، ورحت بأحدها (أتجشأ) إلى أن نفرت الدموع من عيوني.

وانطرحت مرة أخرى على الكنبة، ولم تأتني الفرفشة التي توقعتها.. فأخرجت (الموبايل) من جيبي واتصلت بأحد المعارف المشفوحين على (الوناسة)، سألته أن يأتيني إذا كان فاضي، فأجابني من متى أنا مليان علشان أكون فاضي، (مسافة السكة) أنا جايك هوا. وفعلاً ما هي إلاّ عشر دقائق وإذا (بخشته أو كشرته) تسبق وجهه أمامي، وأول ما جلس وقبل أن يستوي على مقعدته، أخذ يتلفت يميناً ويساراً و(يتحرقص) وكأن أفعى تتلوىّ وتلعب في ملابسه الداخلية، وسألني: أين القهوة والشاهي، أين المسجل والأغاني؟!، أين (المماليح) والوجوه الصبوحة؟!

قلت له: اهدأ.. اهدأ، خليك (رجّال)، لا تصير (قرقّعانه).

رد عليّ وقد (نفصت) عروق رقبته فزادت فوق دمامته دمامة وقال: هل أنت دعوتني فقط لكي أهدأ، كان أحسن لو أنك لم تتصل وتركتني نائم، فالهدوء والنوم هو الذي ذابحني، والآن تقول لي: اهدأ، صحيح أنك ما تستحي.

نظرت له بشفقة بالغة وقلت له: أنت فين وأنا فين؟!

* * *

صحيح أن المتفائل لا يرى غير الوردة، والمتشائم لا يرى غير الشوك. أما بالنسبة لي اليوم فقد تساوى الورد والشوك في نظري ولم أعد أفرق بينهما، وهذا هو الدرك الأسفل من الحياة.

اعذروني، فلا أستطيع أن أقول أكثر من ذلك، أنني والله صادق.

[email protected]