العراق بعد5 سنوات (1ـ 2)

TT

نقرأ اليوم الكثير من المراجعات في ذكرى انقضاء سنوات خمس عاصفة منذ إسقاط نظام صدام، إنما الأهم ماذا سيكون عليه العراق في السنوات الخمس المقبلة؟ هذا هو الأهم، لذا سأقرأ المستقبل القريب وفق ظروف اليوم.

الأول، أن يستمر العراق على ما هوعليه اليوم لخمس سنوات أخرى بعنفه، وفوضاه، ونزاعاته السياسية، فيعيش الحالة الأفغانية المستمرة منذ إسقاط نظام طالبان، حيث بقيت كابل عاصمة للنظام الجديد ببرلمانه ورئاساته، لكن الأطراف تحت سيطرة ضعيفة والبلاد تحت حماية أجنبية في وضع قتالي مستمر. الاحتمال الآخر، أن ينجح العراق في إيقاف العنف، من إرهاب وعصابات، لكنه يظل يعاني من حكم الميلشيات الأمني والسياسي. فيبقى نظامه المركزي ضعيفا كما هو الحال عليه في لبنان، الذي توقفت حربه في عام 1990 وصار اللبنانيون يعيشون حياة آمنة نسبيا إنما قلقة أيضا، مع تنازع سياسي يهدد بنذور خطر لاحق. في العراق يمكن أن ينجح النظام في القضاء على جيوب المقاومة وقمع العصابات المسلحة، لكنه قد يضطر للتعايش مع الميلشيات الدينية والقوى الإثنية في معادلة تضعف حركته اليومية وتهدد استقراره ومستقبله.

الاحتمال الثالث، أن يدخل العراق أتون حرب أهلية، ويتوجه نحو التفكك لأسباب داخلية. أي يكرر العراق حالة الصومال الذي يعاني منذ سقوط نظام ديكتاتورها سياد بري في عام 91 ، ولا يزال، من تقسيم البلاد الى دويلات وحروب وفوضى، وحكومة محاصرة تحكم بعض مقديشو. ولا بد أن نقول بكل تقدير إن العراقيين نجحوا في إجهاض هذا الاحتمال الذي تنبأ به الكثيرون منذ البداية والذي أفشله عقلاء العراق ومجانينه حتى الآن. لكن الاحتمال قائم، خاصة لو تم تقسيم البلاد الى محافظات، في نظام فيدرالي لا إجماع عليه، أو لو نازعت الميلشيات الحكومة على السلطة والمداخيل النفطية. هنا سيكون العراق صومالا بدوليات مفككة. الاحتمال الرابع، أن يدخل العراقيون في حرب داخلية لأسباب خارجية، وتحديدا إن قرر الإيرانيون نقل معركتهم بشكل صريح ضد الأميركيين، مثلا لو وقعت حرب بين واشنطن وطهران، أو اختارت طهران فك الحصار عليها بمواجهة الأميركيين في العراق. العراق حقيقة يعيش منذ ثلاث سنوات في حرب بالنيابة بين الأميركيين والإيرانيين. طهران استعانت بكل القوى، بما فيها سنية متطرفة مثل القاعدة وشيعية لا تواليها تقليديا، في استهداف الأميركيين. ومن أجل وقف هذه الحرب عقدت اجتماعات أميركية إيرانية في بغداد، لكنها فشلت حتى الآن. وفي حال استمر الفشل يبقى الصدام المباشر ممكنا. الاحتمال الخامس، أن ينجح العراقيون بسلطة مركزية قوية، تتضامن معها كل القوى المحلية. وهو احتمال قوي رغم الدخان الذي نراه في الأفق، في البصرة والموصل وكركوك. السبب الرئيسي خمس سنوات مضت رأت القوى العراقية المتنازعة خلالها كيف احترقت البلاد، وشرد الأهل، ومن بقي في بيته ظل يعيش حياة بائسة. أمامها سنوات يمكن أن تجعلها مستقرة، ومزدهرة بمداخيل مالية هائلة لم يملك مثلها نظام عراقي من قبل في التاريخ الحديث.

المشكلة الوحيدة أن مستقبل العراق المقبل الزاهر هذا صورة ليست واضحة بعد في عقول القادة العراقيين، بسبب انشغالهم بالأزمات اليومية وعجزهم عن التنازل من أجل التصالح.

[email protected]