.. وكأنه والكتابة توأمان

TT

يعتبر الكاتب والأديب السعودي عبد الله عبد الرحمن الجفري أحد أبرز حداة قافلة الحبر وشداتها، فعلى مدى أكثر من أربعة عقود، وزاويته تطلق كل صباح سربا من فراشات الكلام الأنيق، الذي يحلق برايات إبداعه في كل الآفاق.. أطالعه كل يوم وأتذكر ما قاله أحد الأدباء الفرنسيين: «إذا منعك أو أوشك أن يمنعك عن الكتابة زلزال أو طوفان أو كارثة، فأعلم أنك لست كاتبا، وعش حياتك في دعة بعيدا عن حرائق الكتابة»، فالكتابة بالنسبة للجفري خبزه وحريته، شهيقه وزفيره، نبضه وخفقه، وكأنه والكتابة توأمان لا يفترقان حتى على سرير المرض.. فهو في كل مساء يحمل قلمه وألمه وتعبه وسهده لينسج بالكلمات بساطا سحريا يسافر به إلى صباحات بعيدة..

في عقد الستينات الميلادية أحدث ثورة أسلوبية في كتابة المقال على مستوى الصحافة السعودية، فتمرد على التراكيب اللغوية التقليدية والجاهزة والمكررة، وصنع بيادر قاموس مفرداته الأنيقة والرشيقة والمحلقة، ليغدو الكاتب النجم الذي يحظى بأكبر مساحات الإعجاب، وانطلق بعد ذلك من الصحافة المحلية إلى العربية، فكتب لسنوات طويلة في صحيفة «الشرق الأوسط» ثم صحيفة «الحياة»، قبل أن يستقر بعموده أخيرا على صفحات «عكاظ»..

عملت معه لفترة قصيرة في ملحق «الأربعاء» بصحيفة المدينة في عقد الثمانينات من القرن الماضي، فكان عبقه ينعكس على كل الصفحات، وشاعريته تتألق في كل العناوين، وحسه الفني يبرز في كل الصور، ففي شخصيته يجتمع الأديب والإعلامي والفنان، وهو يقرن الدور الإخباري للصحافة بالقالب الجمالي، ويضع لكليهما نفس القدر من الاهتمام..

عبد الله الجفري لم ينصفه الإعلام وظيفيا، ومع ذلك استطاع أن يصنع مجده بقلمه بعيدا عن «فاترينات» المواقع و«نيون» الواجهات، ولا أغالي إن قلت إنه الأكثر شهرة، والأبرز حضورا، والأعمق أثرا.. إنه مثال للكاتب الذي لا يستند إلى غير قلمه، الذي أحبه الكثيرون، وضاق بنجوميته الكثيرون أيضا..

هو رجل ليس لدواخله مخابئ يختزن فيها فائض انفعالاته، إن أحبك أعلن عليك الحب علانية ومن غير انتظار، وإن غضب منك عبر عن غضبه مباشرة، والفارق أن حبه يدوم بينما غضبه مجرد سحابات صيف لدواخل إنسان معهودة بالنقاء..

فطرز يا هذا الجميل صباحاتنا بفراشات حروفك، وموسقة كلماتك، ومووايل سطورك.. فلمثل قلمك تشد رحال القراءة.

[email protected]