فيلم كويتي.. مرعب!

TT

الحراك السياسي الايجابي المفيد له ملامح وأشكال يتفق عليها الكل، وهناك خيط رفيع جدا بين الحراك الإيجابي وبين الفوضى والعبث مهما كانت دوافعه ومسوقاته التي تنادي باسم الديمقراطية وتوجهاتها. ولعل مشاهد الفوضى السياسية التي نشاهدها في البرلمان الكويتي مؤخرا، ولفترة ليست بالقصيرة، تبعث على الحزن وعلى الأسى، فالكويت التي كانت لها الريادة في الحرية السياسية بمنطقة الخليج العربي، وكان برلمانها سباقا في طرح أهم القضايا والتصويت عليها حتى ولد الدستور الكويتي بشكله التقدمي اللافت، والكويت نفسها هي ولدت أهم حركة وحرية صحافية في الخليج العربي، وحركة مسرحية ناقدة وهادفة سابقة لوقتها، كل ذلك كان من المفروض ومن المتوقع أن يصب بعقلانية لصالح المناخ السياسي العام. إلا أن شيئا ما قد حدث بالكويت وأن الشكل السياسي المثالي برلمان وصحافة حرة ونقابات عمالية وسائر كيانات المجتمع المدني تحول الى وسائل لإظهار الانتماء القبلي وصراعاته والتمايزات المذهبية وخلافاته والتباين الاجتماعي بين الذكور والإناث والأغنياء والفقراء والمواطنين «الأصليين» والآخرين من المجنسين «البدون» والمقيمين. وهو حال حزين أدى الى مشاهد صارخة داخل البرلمان الكويتي العتيد ليطالع الناس السجلات العبثية والغريبة والتي يصل البعض منها الى مستوى المضحك المبكي في بعض الأحيان، وتتحول المنازعات الى صراعات شخصية لتصفية حسابات أو تسجيل نقاط على الساحة الشعبية وكسب «زعامات» أمام الناس لمآرب أخرى. وهكذا تحول المشهد السياسي الكويتي والذي كان واعدا في يوم من الأيام مبشرا لأن يكون «فرنسا الخليج» ليصبح «إيطاليا الخليج» فيشهد تغير وزارة تلو الأخرى، وتعرض الوزارة للمساءلة بداع وبدون داع أمام البرلمان، وفي مرات كثيرة كان هذا الطرح أشبه بمحاولات التطويق والتضييق «لإضاعة الوقت» ليس أكثر من دون إن يجني من جراء هذا كله فائدة تذكر سوى توسيع الأزمة والثقة بين الكيان التشريعي والجهاز التنفيذي للدولة، حتى بات أكثر المناصب صعوبة وحساسية هو وزير جديد في الحكومة الكويتية. الأدوار المنشودة للبرلمانات هي أن تكون رقيب على الأداء التنفيذي للحكومة، مراقبة مكامن الفساد والتسلط والمحسوبية حتى لا تتحول أجهزة الدولة مرتعا للمحاسيب والأنصار وهذه لعمري أهداف أقل ما يمكن أن توصف بها هي أنها أهداف بديعة ومهمة، ولكن الشياطين كما يقال دائما تكمن في التفاصيل الدقيقة. والتفاصيل تكون في الكيفية التي تحدث بها وتنفذ هذه الأهداف، وهي تنفذ بأسلوب «ماكيفالي» عجيب غايته تبرر كل وسيلة مهما كلف الأمر. وهذا طبعا أدى الى تعطيل غير بسيط في الطموحات والآمال التنموية للكويت وعدم نضوج السوية الوطنية والاجتماعية في ظل وجود اضطراب واضح في الإحساس بالعدالة للجميع، مع العلم أن الكويتي من الأساس لديه حس وطني عالي وانتماء واضح. ولكن شعوره بالقلق لا يمكن إغفاله في ظل تدهور مؤشرات الثقة التي يوضحها حيال الأداء الحكومي والبرلماني هذه الأيام. الكويت يقع جنوب العراق المؤجج بنيران الفتنة وشرارها، من الممكن أن ينتقل اليه في ظل هشاشة سياسية واضحة تساعد على انتشار النار في الهشيم الاجتماعي المضطرب. والخليج العربي لن يكون بمأمن لو حدث أمر كهذا. سوية السياسي في الكويت وعودة الحكمة في التعاطي مع الأمور أمر استراتيجي وحيوي يمس الكل، لأن الفيلم الكويتي السياسي المستمر حاليا ومشاهده المرعبة المتزايدة لا تبشر أبدا بنهاية سعيدة.

[email protected]