العراق بعد 5 سنوات (2-2)

TT

تخيلوا، والتخيل ميزة قيادية، تخيلوا عراقا مستقرا بنظام سياسي يمثل الجميع. تخيلوا بلد الرافدين مزدهرا بإنتاج يقفز من ثلاثة ملايين برميل منهوبة اليوم، الى تسعة ملايين برميل تصب في بناء الدولة الجديدة. عراق اغنى من السعودية والامارات والكويت، يعوض فيه المواطن العراقي عن عقود من الارهاب والحرمان. بدون هذه الرؤية يبقى العراق بلدا يتقاتل أهله على ارض مجزأة، وموارد معطلة، يعيش فيه الجميع رهينة الخوف، وضحية تغيرات توازن القوى، وتدخلات القوى الخارجية.

مستقبل العراق إما بلد مستقر عزيز مزدهر، او بلد ممزق متقاتل. كلها تعود في المقام الأخير الى العراقيين، مواطنين وقوى سياسية، وليس صحيحا كلها في يد الاميركيين او الايرانيين او القاعدة.

وأجزم بان المشكلة اليوم هي في عجز القيادات عن تصور «العراق المثالي»، لأنها لا تفكر بما هو أبعد من أنفها. تتقاتل، او تخطط لمهمة واحدة، هي كيفية تعزيز سلطانها على الأرض، من دون ادراك ان احدا لن يكسب الا بالتوافق والمشاركة، التي تتطلب تنازلات من الجميع.

ولو كانت الرؤية واضحة عند قيادات المجاميع السياسية كلها، حول ما هي المكاسب والخسائر، لسارعت جميعا الى الاتفاق على دولة موحدة مفتوحة لجميع العراقيين.

لا أتحدث عن طرح طوباوي اخلاقي، بل عن مشروع واقعي وطني مربح للجميع. فالخيارات المستقبلية، كما عددتها في مقال امس، اربعة نماذج سيئة وواحد وحيد ناجح. وحساب الاحتمالات مسألة رياضية أيضا، لا سياسية فقط، تتطلب من قيادات المجتمع العراقي أن تراجعها، وتقرر لمواطنيها ما الذي تريده لهم منها. بينها احتمال واحد، ومشروع واحد، يمكن أن يبني أعظم عراق في التاريخ الحديث، بلد قوي وغني وراسخ الاركان الى مائة سنة أخرى.

أمام العراقيين فرصة لتحقيق المصالحة، وبناء نظام راكز يحقق الاستقرار، الذي ينهي عراق الفقر والجهل والمرض والخوف. اما الفشل فسيفضي الى استمرار القتال عشرين سنة أخرى.

اثبتت سنوات الأزمة الراهنة ان فريقا واحدا، مهما صغر حجمه، قادر على تخريب البلد كله. كما أثبتت تجربة العشائر، في انتفاضتها ضد القاعدة والقوى التخريبية، انها بامكانيات بدائية اكثر فعالية من القوات الاميركية المدججة بترسانة هائلة.

من دروس السنوات الخمس الماضية تعلم السنة ان الرفض والعزوف عن المشاركة السياسية، أوديا بهم الى الفشل الواضح. وتعلم الشيعة انهم لا يستطيعون ان يحكموا لوحدهم مهما كان عددهم. وتعلمت القيادات المختلفة ان النزاع على السلطة ليس طائفيا او اقليميا، بل مفتوح الشهية حيث دب التنازع بين القوى الشيعية، وكذلك داخل القوى السنية، كما سال الدم بين اهل الحي الواحد.

في خمس سنوات اكتشف الاكراد بدورهم ان خيار التقوقع في كردستان جبلية صغيرة يجعلها لقمة سهلة لقوى تتربص بها كالتركية، وان خيارها الافضل البقاء ضمن عراق كبير يشاركون في حكمه من اربيل الى البصرة.

في خمس سنوات شاهد كل العراقيين الصورة القبيحة للعراق واليوم توجد فرصة لأن يجربوا لعراق الحلم. حلم يتطلب ويحتاج الى شعور عميق بالمسؤولية في ضمير القيادات العراقية. امامهم ان يصنعوا عراقا مضيئا بكافة ارجائه، بدلا من عراق مفكك متنازع عليه، يعيش الناس فيه بثماني ساعات من الكهرباء وعلى البطاقات التموينية.

[email protected]