الوضع ببغداد في تحسن

TT

أربعة أشياء أثارت اهتمامي منذ وصولي إلى بغداد في أغسطس (آب) الماضي، أولها التزام الولايات المتحدة المالي تجاه إعادة الإعمار، وثانيها التراجع الكبير في مستوى أعمال العنف، وثالثها المواقف تجاه الحكومة، ورابعها التقدم الذي حدث في العلاقات بين الجيش، ذي الأغلبية الشيعية، وسكان المنطقة الذين يشكل السنّة غالبيتهم.

نقطتي العسكرية كانت تقع بمحاذاة دجلة في منطقة الأعظمية المسوّرة بجدار يفصلها عن القسم الشرقي الشيعي من بغداد. وعلى الرغم من أن بعض الشيعة لا يزالون داخل المنطقة، فإن الغالبية تركت المكان وأصبح الجزء السني محاطا بأحياء سكنية شيعية.

يدرك دافع الضرائب الأميركي أن ملايين الدولارات قد أنفقت على مشاريع لم تخضع للتدقيق اللازم. فحكومتنا أنفقت أموالا في أشياء أعدت على عجل من دون اعتبار كاف لثقافة الاعتماد التي تولدها مثل هذه المشاريع. لا شك في أن توفير وظائف مستمرة لم يكن أولوية في المراحل الأولى، إذ أن سكان حي الأعظمية ممن هم في سن العمل لا يزالون عاطلين، إلا أننا بدأنا في توفير المزيد من الوظائف في هذه المنطقة.

الجهود التي يقوم بها العراقيون والتحالف والمنظمات غير الحكــــومية تركز على الخدمات الأساسية والتنمية الاقتصادية والمصالحة. وإعادة الخدمات، مثل الكهرباء، وإقامة نظام صرف صحي فاعل، وجمع النفايات وتوفير الوقود والمياه تحتل صدارة الأجندة. ويمكن القول إن المبادرات الرامية إلى جعل هذه الخدمات تعمل بمستوى مقبول أصابت بعض النجاح. عادت الحياة النشطة إلى مناطق الأسواق التي كانت مهجورة في السابق، فضلا عن أن الاقتصاد المحلي استفاد كثيرا من تراجع أعمال العنف، كما أن المتسوقين عادوا مجددا إلى الأسواق وفتحت المتاجر أبوابها.

استراتيجية زيادة عدد القوات أدت إلى تحسن الوضع الأمني في هذا الجزء المهم من بغداد، إلا أن بناء جدار الأعظمية والتغيير الكبير في مواقف السكان تجاه التحالف ساهما أيضا بصورة كبيرة في تراجع العنف، فضلا عن أن مقدرة سريتنا العسكرية على الاستفادة من هذه التغيرات كانت فاعلة أيضا. تغيير مواقف السكان تجاه التحالف أدى إلى تزويد المواطنين للجنود بالمزيد من المعلومات حول المشتبه فيهم والمواقع التي يشتبه أن تكون فيها عبوات ناسفة مزروعة على جنبات الطرق ومخازن السلاح.

شهدت أواخر العام الماضي اجتماعا واحدا من المجالس الاستشارية للأحياء بحضور 40 من الشخصيات المحلية، ومثل التحالف في ذلك الاجتماع قائد السرية وبعض الضباط من فريق إعادة البناء في المنطقة وضابط سياسي ممثلا للسفارة الأميركية. تناول الاجتماع الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي ومشاكل الصرف الصحي والتنمية الاقتصادية. ولفتت انتباهي في ذلك الاجتماع شكوى بعض العاملين في محطة توليد الطاقة بالمنطقة ـ وهم من السنّة ـ من تعرضهم لمعاملة سيئة من الجيش العراقي (غالبيته من الشيعة) واتهموا بأنهم وراء مشاكل توزيع الطاقة الكهربائية، وهو أمر ليس لهؤلاء العاملين أي سيطرة عليه. وقال هؤلاء العاملون أنهم سيضربون عن العمل إلى أن يتم التعامل معهم بصورة أفضل، وطلبوا المساعدة في هذا الأمر من رئيس المجلس، وهو مسلم سنّي.

المشاركون في الاجتماع المشار إليه فعلوا شيئا ربما ينظر إليه الكثير من الأميركيين كأمر مسلم له. فقد عبر هؤلاء عن مظالمهم وسعوا للمساعدة، وهذا هو أساس فكرة الحكومة التمثيلية.

حتى الجيش العراقي تحول إلى الأفضل. فقبل وقت ليس بالطويل كان ينظر إلى قواته كونها عقبة في طريق المصالحة، واتهم أفراده باعتقال السكان بدون أدلة ثم المطالبة بفدية لإطلاق سراحهم.

تمكنت سريتنا من التأثير في مفهوم الوحدات العسكرية المحلية للجيش العراقي في ما يتعلق بقيم الشؤون المدنية. فقد قام ملازم عراقي بتنسيق عدة جهود في مجال توصيل المساعدات الإنسانية وتنظيم المهام الطبية والعلاجية في المدارس المحلية وتوفير الأمن لتسهيل عمليات توصيل الوقود، بل قام بتوصيل المقاعد المتحركة بنفسه.

لا يزال هناك الكثير الذي يجب إنجازه في العراق، إلا أن نجاح الرجال والنساء من الذين يعلمون في هذه المنطقة الخطرة سابقا في بغداد أمر واضح، والذي يزور الأعظمية يتأكد له تماما أن استراتيجية زيادة القوات حققت النجاح المطلوب.

* رقيب في قوات الاحتياط حصل في الآونة الأخيرة على درجة الماجستير في الدراسات الاستراتيجية والاقتصاد الدولي من كلية جونز هوبكنز للدراسات المتقدمة

* خدمة «واشنطن بوست»

ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»