هل يدفع لبنان مرة جديدة أثمان الخلافات الإقليمية؟

TT

من سوء الحظ أن تعقد القمة العربية المقبلة في العاصمة السورية بعدما عانى النظام السوري ما عاناه طوال السنوات الثلاث الماضية من عزلة عربية ودولية شبه مطلقة فرضها الادراك الجماعي لاتهام النظام بالتورط في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، وعززها السلوك الملتوي الذي قدمه هذا النظام خلال العدوان الاسرائيلي على لبنان (تموز 2006) واتبعه باتهام بعض القيادات العربية بأنهم من أشباه الرجال.

وغني عن القول طبعاً إن هذا النظام واصل سياسة تحدي الاجماع العربي من خلال تكريس تحالفه مع النظام الايراني وعبر إسقاطه الفعلي للمبادرة العربية لحل الازمة اللبنانية دافعا الاطراف اللبنانية المتحالفة معه الى استيلاد العقبات المصطنعة الواحدة تلو الأخرى بهدف منع انتخاب رئيس جديد للجمهورية وإعادة تفعيل الحياة السياسية والدستورية والمؤسساتية.

وإذا كان الدور السوري في لبنان بات مكشوفاً ومعروفاً بحكم السيطرة والسطوة السورية على لبنان زهاء ثلاثة عقود، فإن هذا النظام، بالتحالف مع إيران، قد سعى لمد نفوذه الى ساحات إقليمية ليس اقلها العراق وفلسطين، بحيث دفع بعض القوى الفلسطينية إلى اجهاض اتفاق مكة الذي لو أتيحت الفرصة الحقيقية لتطبيقه لكان قد شكل مدخلاً جدياً لتعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية، والاهم من كل ذلك اعادة الاعتبار الى القرار الوطني المستقل الذي لطالما سعى الرئيس الراحل ياسر عرفات إلى حمايته من الطرف السوري بالدرجة الأولى.

كما أنه ليس خافياً، في الحد الأدنى من التحليل السياسي، أن اخفاقات السياسة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط سواء من خلال الانحياز الأعمى لإسرائيل أو من خلال الآفاق التي فتحها احتلال كل من أفغانستان والعراق لبسط النفوذ الايراني، قد ساهمت في تقديم فرص للمحور السوري ـ الايراني من دون أن يعني ذلك في أي شكل من الأشكال أن هذا المحور قد استطاع تعزيز سطوته المطلقة على الساحات المعنية.

إلا أن الأمور ليست على هذا القدر من التقسيم العمودي المنتظم، ذلك أن التحالفات والمصالح بين الدول قابلة للتغير والتبدل وفقاً للظروف والتطورات. فها هي قطر أكبر قاعدة عسكرية أميركية في الخليج العربي والشرق الأوسط، تتحالف في الوقت ذاته مع حزب الله في لبنان ومع إسرائيل ومع النظام السوري. وها هو النظام السوري يوسط جاره التركي الذي يحتل لواء الاسكندرون «السليب» مع جاره الاسرائيلي الذي يحتل الجولان، ويجري مفاوضات سرية تحت الطاولة مع الاسرائيليين. وها هو مرشد الثورة الايرانية السيد علي خامنئي يكرر أن العداء مع الولايات المتحدة الأميركية لا يمكن أن يستمر الى الأبد، لا بل إنه قال بوضوح في مطلع كانون الثاني / يناير 2008 إن العلاقات الديبلوماسية بين طهران وواشنطن يجب ألا تظل مقطوعة إلى الأبد.

هذا الكلام يعني أن حتى «الشيطان الأكبر»، كما درجت أدبيات السياسة الايرانية الخارجية على وصف أميركا، قابل لاقامة علاقات ديبلوماسية معه عندما تحين الساعة وتصبح المصالح متقاطعة بالفعل وتوجب عندئذ تغييراً جوهرياً في المواقف.

إزاء هذه الحقائق الاقليمية، يبقى السؤال الأساسي متصلا بلبنان كساحة مواجهة أمامية تريد بعض القوى دفع الفواتير عبرها وتسديد أثمان المقايضات من على أرضها حصراً، فلماذا تتواجه كل القوى الاقليمية والدولية على أراضيها ما دام لديها الارض اللبنانية، وهي الأرض التي وصفتها بعض القوى بأنها «الأرض الطبيعية للمعركة»؟ وكأنه كتب على هذا البلد أن يواصل دفع الأثمان الباهظة من سيادته وحريته وديمقراطيته واستقراره. ولكن هل كان ذلك ممكناً لولا اندفاع بعض القوى اللبنانية لتقديم هذه الساحة مجاناً لمصلحة القوى الاقليمية؟ قطعاً لا.

* مفوض الاعلام في الحزب التقدمي الاشتراكي ورئيس تحرير جريدة «الأنباء» اللبنانية