لن تموت النكتة

TT

رغم كل ما بذلته المخابرات السوفيتية في محاولتها لمطاردة المنكتين والساخرين، فإن الشعب الروسي ظل يعبر عن غيظه بهذا السلاح السلمي الأنيق. إنه الوسيلة العليا لاحتفاظ الشعب بثقته بنفسه والتخفيف من معاناته وآلامه ورفضه للقمع والحرمان. رصد أحد الباحثين فوجد أن الظرفاء الساخرين في موسكو، كانوا يصوغون النكتة صباحا، فلا تستغرق أكثر من 6 ـ 8 ساعات حتى تنتشر في عموم العاصمة السوفيتية. وكان وكلاء الكي جي بي، أول من يترصدون لها ويجمعونها ويبوبونها ويقدمونها للمسؤولين. وقد ثبت فيما بعد أن أقلام المخابرات نفسها، كانت تشارك في صياغة بعض النكات وتسريبها. إذا لم يكن النظام السوفيتي قد أجاد على العالم بشيء، فإنه بدون شك قد أغنى البشرية بهذا التراث الضخم من النكتة السياسية ودورها في المقاومة المدنية.

من ذلك أن قمع حرية الكلام في العهد الستاليني، أوحى بسيل طويل من النكات. تأتي في مقدمتها قصة الكلب الروسي البورزوي وتعطشه للنباح. سمعتها من اللورد الن في لندن. قال إن كلبا إنجليزيا من نوع الترير التقى بكلب روسي من نوع البورزوي أمام مخازن هارودز. سأله الكلب الإنجليزي عن الحياة في روسيا، فرسم له صورة جميلة عنها. الأرض واسعة والغابات يانعة والشمس ساطعة والناس طيبون والطعام متوفر.. الخ. فقال له الترير الإنجليزي، إذن ما الذي جاء بك إلى هذا البلد المكفهر بالغيوم والأمطار والضباب، فأجابه البورزوي: «من حين لآخر، أحب أن أنبح!».

وردت هذه النكتة بشتى الصيغ، وفي سائر الدول الدكتاتورية.

مضى الظرفاء الروس فقالوا إن إنجليزيا وفرنسيا وروسيا التقوا في القطار وراحوا يتحدثون عن معنى السعادة. قال الإنجليزي السعادة عندي عندما اجلس أمام التلفزيون وأرى فريقي المفضل مانشستر يونايتد ينتصر على فريق آرسنال بستة أهداف نظيفة. قاطعه الفرنسي فقال، انتم أيها الإنجليز لا تعرفون حقا ما هي السعادة. السعادة عندي هي أن أتعرف بغادة حسناء. سأل الاثنان المسافر الروسي عما يفهمه هو عن السعادة فقال: اصل قمة السعادة عندما اسمع طرقا على الباب بعد منتصف الليل. افتح الباب فأجد أمامي مفرزة من الشرطة وضابطا من الكي جي بي. ينظر في وجهي ويقول: «ميخائيل ايفانوفيش، يجب إلقاء القبض عليك. تفضل معنا». ثم انظر في وجه الضابط وأقول: «آسف ايها الرفيق. ميخائيل ايفانوفيش يسكن الدار المجاورة».