نهر الخوف

TT

أعتقد انني ولدت خائفة بسبب تسرب الخوف الى اللاشعور في ظل ثقافة تمجد الخوف بشكل عام . فالمثل الشعبي يقول: «امش سنة ولا تخطي قناة». نشأت وأنا أخاف من الغرق والفشل وأخاف من الظلام وأخاف من الزواحف ومن حوادث السيارات.

والى وقتنا هذا ما ان تصادفني معلومة تحذر من الجراثيم، او تهدد بالاصابة بالاورام الخبيثة ان تناولت فواكه مرشوشة بالمبيدات حتى يتجدد خوفي ويزداد شعوري بأنني مهددة.

المخ البشري مبرمج على الاستجابة للخطر. فقد كان الانسان البدائي يتعرض لخطر الحيوانات المفترسة في الغابة فتسعفه البرامج الجينية المهيأة للتعامل مع ذلك الخطر. ضربة قوية على رأس حية كانت تقضي على الخطر والخوف في اقل من الثانية. ولكن بعد ان ارتقينا سلم التطور اختلفت انواع الخوف ومازال المخ غير قادر تماما على التعامل مع مخاوف افرزتها الحياة العصرية مثل اخبار الحروب والكوارث وخطب السياسيين العامرة باكاذيب تغذي مخاوف الناخبين.

لو كنتَ انسانا بدائيا لمح دبا قطبيا لأطلقت ساقيك للريح طلبا للنجاة. ومن المنطق ان نفترض انك قد تنجو من الدب، وان كان هناك احتمال بأن يكون الدب اسرع منك في اغتنام الفرصة. فالعملية كلها كانت تخضع لمنطق فطري مقبول. ولكن اي منطق اقنع صاحب الصورة التي اشتهرت في كافة انحاء العالم بعد احداث 11 سبتمبر لصاحبها وهو يقفز من نافذة دور علوي في مركز التجارة العالمي في نيويورك؟ هل قفز لينجو من الارهابيين؟ وبأي منطق ظن انه لن يلقى موتا مؤكدا اذا قفز من ذاك العلو؟

الخوف يطلق اشارات سريعة للمخ ويصاحب تلك الاشارات ضخ كمية مضاعفة من الادرينالين قبل ان يبدأ التفكير في أية خطوة ممكنة. وربما فسرت تلك المعلومة الاسباب التي ادت الى اضطراب سلوكيات الناس بعد ان حرك السياسيون مخاوفهم من اخطار الارهاب بحيث اصبح كل مسلم متهما الى ان تثبت براءته، واصبحت مكبرات الصوت تجلجل في مطارات العالم بألا نترك اية حقائب في الاماكن العامة والا اعدمت لأن الحقائب المتروكة قد تكون مليئة بالمتفجرات. تدريجيا سوف تنطلق اشارات الخطر في المخ كلما لمحنا حقيبة سفر بدلا من ان ننطلق اذا صادفنا في الطريق ذئبا او اسدا مفترسا.

في الحياة العصرية تحولت مقولة ديكارت الفيلسوف من: أنا افكر اذن انا موجود الى: أنا اخاف اذن انا موجود.

المهم هو ان تواجه الخوف بعقل سليم. لم أعد افضل ان امشي سنة بدلا من المجازفة بعبور القناة التي تفصلني عن بغيتي. تعلمت ان اختبر مياه القناة اولا لاكتشاف العمق واحتمالات الوقوع في الخطر . وتغلبت على خوفي من الظلام بالقرآن، اتلوه كلما شعرت بنوبة خوف واحتفظ بالمصحف في كل غرفة. ولن انكر أنني تعرضت لحادث سيارة كاد يسلبني حياتي ورغم ذلك لم اقلع عن استخدام السيارة عند اللزوم. فأنا اشعر بأن كل ما يحدث, يحدث لسبب وان قانون العدالة الالهية يفعل فعله اجلا او عاجلا. واشعر بأن عين الله ترعاني حتى لو تعرضت لحادث. فقد اصبت في الحادث اصابة مازلت احمل اثرها ولكني تعلمت من تلك التجربة الكثير .