الأزمة المالية الحالية.. التاريخ يعيد نفسه

TT

إذا ما تمكن بن برنانك من إنقاذ النظام المالي من الانهيار، فسيمتدح ـ حقا ـ لجهده البطولي.

إلا أن السؤال الذي يجب طرحه هو: كيف وصلنا إلى هذا الموقف؟

لماذا يحتاج النظام المالي الى الخلاص؟

لماذا يجب على الاقتصاديين المعتدلين أن يصبحوا أبطالا عظاما؟

الإجابة، على المستوى الأساسي، هي أننا ندفع ثمن فقدان الذاكرة. لقد اخترنا نسيان ما حدث في الثلاثينات ـ ورفضنا تعلم درس التاريخ، ونكرر نفس الأفعال.

فعلى عكس الاعتقاد الشائع، لم يكن انهيار أسواق البورصة في عام 1929 هو اللحظة الحاسمة في الركود العظيم. إن ما حول ركود اقتصادي عادي إلى انهيار يهدد الحضارة هو موجة سحب الودائع من المصارف عامي 1930 و1931.

وقد أظهرت أزمة المصارف في الثلاثينات أن الأسواق المالية غير المنظمة وغير الخاضعة للإشراف يمكنها التعرض بسهولة إلى فشل ذريع. ومع مرور السنوات، نسينا هذا الدرس ـ ونعيد تعلمه الآن بالطريق الصعب. ولاستيعاب المشكلة علينا أن نفهم ما الذي تفعله المصارف.

توجد المصارف لأنها تساهم في التوافق بين الرغبات المتعارضة للمدخرين والمقترضين. المدخرون يريدون الحرية ـ الحصول على أموالهم في أسرع وقت ممكن. المقترضون يريدون الالتزام: لا يريدون المخاطرة بمواجهة مطالب مفاجأة تتعلق بتسديد القرض.

وعادة ما ترضي المصارف رغبات الطرفين: المدخرون لديهم الحق في الحصول على أموالهم عندما يريدون، وبالرغم من ذلك فإن معظم الأموال الموضوعة تحت رعاية المصارف تستخدم في قروض طويلة المدى. والسبب وراء نجاح هذا النظام أن المبالغ المسحوبة متوازنة تقريبا مع الودائع الجديدة، ولذا يحتاج المصرف إلى كمية متواضعة من الاحتياطي النقدي لكي يتمكن من تنفيذ تعهداته.

إلا أن في بعض الأحيان ـ انطلاقا من شائعات ـ تواجه المصارف عملية سحب ودائع جماعية، يحاول خلالها العديد من الناس سحب اموالهم في نفس الوقت. والمصرف الذي يواجه هذه الحالة من قبل المودعين، ويفتقر إلى السيولة النقدية لتلبية مطالبهم يمكن أن يفلس حتى لو كانت الشائعات غير صحيحة. والأسوأ من ذلك، الاندفاع لسحب الودائع يمكن أن يكون مثل العدوى. إذا ما فقد المودعون في مصرف ما أموالهم، فمن المرجح شعور المودعين في مصارف أخرى بالعصبية، أيضا، مما يؤدي إلى سلسلة أفعال متتالية. وهو الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى تأثيرات اقتصادية واسعة النطاق.

هذا باختصار ما حدث خلال العامين 1930 و1931 مما جعل الركود الاقتصادي الكبير كارثة. لذا، حاول الكونغرس ضمان عدم حدوثها مرة أخرى، وذلك من خلال إيجاد قواعد منظمة وضمانات توفر شبكة واقية للنظام المالي. ثم عشنا جميعا حياة سعيدة لفترة من الزمن، وليس للأبد.

القواعد المنظمة ذات الصلة بتقليل المخاطر، وتحديد الأرباح في نفس الوقت، أثارت اهتماما في أوساط وول ستريت، إلا أن القيود تراجعت بعض الشيء، ويعود السبب في ذلك من ناحية إلى إقناع الساسة بتخفيف حدة القواعد، بيد أن السبب الرئيسي يعود إلى إيجاد «نظام مصرفي مواز» اعتمد على الترتيبات المالية المعقدة لتحاشي القواعد الرامية إلى التأكيد على سلامة التعاملات المصرفية.

وبمرور السنوات آلت أعمال مصرفية متزايدة للنظام المصرفي الموازي المشار إليه لأن الأطراف التي لم تشملها القواعد المنظمة ضمن هذا النظام طرحت فيما يبدو عروضا أفضل مقارنة بعروض المصارف التقليدية.

اما الذين شعروا بالقلق في السابق بسبب افتقار هذه التوجهات المالية الجديدة لوجود شبكة واقية، فقد وصفوا بأنهم تقليديون.

الأزمة المالية الحالية عبارة عن نموذج لما حدث للمصارف قبل ثلاثة أجيال. صحيح ان المودعين لم يسحبوا أموالهم ليضعوها داخل مراتب أسرتهم لكنهم فعلوا المعادل الحديث لذلك، أي أنهم سحبوا مدخراتهم من النظام المصرفي الموازي وتحويلها لسندات خزانة. والنتيجة الآن، كما حدث في السابق، حلقة انكماش مالي مفرغة.

بيرنانك وزملاؤه في المصرف المركزي الاميركي يفعلون ما بوسعهم لوضع نهاية لهذه الحلقة المفرغة، ونأمل فقط في نجاحهم وإلا فلن يكون الوضع سارا خلال السنوات القليلة المقبلة ـ ليس ركود اقتصادي كبير، مثلما حدث مطلع ثلاثينات القرن الماضي، لكنه أسوأ انهيار مفاجئ لأول مرة منذ عقود.

حتى إذا نجح بيرنانك في مساعيه، فإن ما يحدث ليس الطريقة التي يدار بها الاقتصاد. حان الوقت لنتعلم مجددا من دروس عقد الثلاثينات ونضع النظام المالي تحت السيطرة مجددا.

*خدمة «نيويورك تايمز»