حبيبة عمري

TT

لا اعتقد أن هناك (أداة) في جسم الإنسان متعددة المواهب والصلاحيات أكثر من (اليد) ـ أم خمسة أصابع ـ، فتلك الأداة المرنة السريعة الحركة بتقديم الخدمات لا يعادلها أي عضو آخر مهما تفلسفنا، ويا لتكم تقطعون قدمي وغيرهما مما ليس له أهمية ـ على شرط أن تعطوني أربع أيادي مكتملات ـ.

إنني في هذا اليوم بالذات، تركت كل شيء وتفرغت للنظر والتأمل بيدي العزيزة، قلمت أظافرها أو مخالبها وبردتها، ثم غسلتها بالصابون، ثم ضمحتها بالكلونيا الليمونية الخفيفة، ثم اجسلتها أمامي و(شقلبتها) ذات اليمين وذات الشمال، ثم طبعت على ظهرها قبلة رقيقة، ثم اتبعتها على بطنها من الوسط بقبلة أخرى عنيفة، فلم تنزعج ولم تتكبّر، بل إنها ساقت بالدلال أكثر، وكل ما فعلته أنها طبطبت على خدي علامة الشكر والامتنان، وكأني بها تقول لي بغنج يأخذ العقل: تسلم لي يا بعد روحي. إنني يا سادة احترم يدي وأحبها حباً جمّاً ـ بل وأكثر من (جمّاً) ـ، فهي التي من أول ما تعلمت الأكل أطعمتني، وهي التي من أول ما تعلمت النشل ساعدتني، وهي التي من أول ما تعلمت الحب رفهتني. إن تلك الأداة التي تكمن في نهاية ساعدي، والتي تمسك بالمرسمة الآن وتكتب هذه الترهات هي يدي التي أضعها كل ليلة تحت رأسي، وعندما أفيق كل صباح هي التي تفرك عيني وتسد فمي عندما أتثاءب، وهي التي تغطيني بالليل لكي لا ابرد، وهي التي تقشع اللحاف وتقول لي بدون أي كلام: (قوم أتلحلح)، وهي التي يزداد نشاطها عندما أكون مستسلما تحت (الدش) كما أنها ـ ولا مؤاخذه ـ هي التي تساعدني على (النف والنتف)، وهي التي (تسمي وتترحم) على حالي عندما اعطس أو عندما أتلعثم بالكلام أو عندما أهم بما لا تحمد عقباه من الحركات غير المشرفة التي تعاقب عليها حقوق الإنسان، ولا أقول بوليس الآداب، تلك اليد التي وهبها الله لكل إنسان ـ ما عدا من ولد بدونها لحكمة يعلمها هو وحده سبحانه، أو من حكم عليها بالقطع كحد من حدود السرقة لحكمة يعلمها وحده كذلك سبحانه ـ.

فهي التي تمسك بمقبض السيف، وتطلق السهم، وتضغط على الزناد وتطبق على العنق وتكور نفسها و(تلكم)، وتشد حبل المشنقة وتمسك (بالسيجارة) وتعبث بالمناطق المحرمة التي ما انزل الله بها من سلطان.. وتستطيع أن تصفق (للدكتاتور) خوفاً ونفاقاً، ولأم كلثوم طرباً وإعجاباً، وتقتل (الناموسة) براحتيها دفاعاً عن النفس.. كما أنها هي التي تعطي وتكتب (الشيكات)، وتعد العملات وتمسك بلجام الحصان ومقود السيارة ومبضع الجراح وريشة عازف العود وفرشاة الرسام ومقلاة (ست البيت). وهي التي ـ يا نظر عيني ـ تدرز أو (تطرزّ) طرحة وفستان العروسة وتقلم شوكة الوردة، وتمسح دمعة الحزين والمكلوم، وتسمك برغيف الجائع وتقسمه نصفين، وهي التي تقوم بدورها الفاعل على أكمل وجه (بالملمات) وذلك (بالمحلسة والدحلسة) على كتف أي حسناء سواء من إناث البشر والحيوانات.

اليد هي التي ساعدت الفلاح على أن يمسك بالفأس والمنجل، وعلى القارئ أن يمسك بالكتاب ويحرك ويتصفح (الانترنت)، وهي التي تعبر اصدق من أي كلام عندما تلوح للحبيب بالوداع، وتشير بإصبعيها علامة النصر، وهي التي تقرأ للأعمى بحروف (برايل)، وتتحدث للأبكم بالحركات وتجعله يقهقه، وأحياناً يبكي كذلك.

إنني شغوف بيدي، وخائف عليها جداً من أي قطع لا سمح الله.

فما أكثر ما سولت لي نفسي، ولولا خشيتي من أن افقد تلك (المضروبة) وتفتقدني هي، فيمين بالله لسطوت اليوم على أول بنك.

وعلى فكرة يدي الآن تعطيكم التحية (وتضرب لكم تعظيم سلام) ـ على طريقة (هتلر) ـ.

[email protected]