معادلة لا تتغير

TT

من عمل مثلي في الصحافة نحو خمسة عقود، يجب أن يكون مذهولا (لا أقل) أمام المشهد الدولي اليوم: الصين تدعم، عمليا، الدولار الأميركي. روسيا منفصلة عن «كوكبة الدول الاشتراكية» التي أصبحت جميعها، بالإضافة إلى روسيا نفسها، دولا رأسمالية.

أوروبا المتحاربة منذ ألف عام، دولة واحدة. ألمانيا التي كانت تحتل فرنسا، تشارك باريس في العرض العسكري يوم 14 تموز. الفرنك والمارك واللير والبيزيتا وجميع رموز التاريخ الأوروبي أصبحت متساوية القيمة في ظاهرة جديدة تدعى اليورو. قبل عشر سنوات كنت إذا سافرت ومعك 1000 إسترليني في 5 دول وغيرت العملة في كل دولة، تخسر نحو 700 جنيه قبل الوصول إلى هدفك الأخير. الآن تسافر باليورو في حوالي 20 دولة.

عشت لفترة وأنا أعتقد أن الحرب الأميركية ـ السوفياتية ستقع غدا. والحرب السوفياتية ـ الصينية ستقع بعد غد. والفيتنام سوف تبتلع كمبوديا. وكاسترو سوف يكتسح أميركا اللاتينية. والعالم سوف يمحى تحت زر يكبس بطريق الخطأ في موسكو أو واشنطن. والهند سوف تموت جوعا وتخلفا. وسوف تدخل في نزاع عسكري لا ينتهي مع الصين.

وكان العاملون مثلي في الصحف اليومية كلما رَّن جرس التليبرنتر (رويتر) خيل إلينا أن نهاية العالم قد أعلنت، وأن صاروخا سوفياتيا سقط خطأ على قاعدة نووية أميركية في نيفادا. كان كل العالم متنازعا مع كل العالم. وكنا ننتظر في أي يوم أن تتحقق نبوءة جول فيرن في القرن التاسع عشر حول الدمار الذري في القرن العشرين.

لكن العالم تغير تماما في اتجاهات أخرى. المصالحة الأميركية الصينية والمصالحة السوفياتية الأميركية وفرقة فيلهارمونيك نيويورك تعزف بحيرة البجع في كوريا الشمالية، وأميركا اللاتينية قارة بالغة الهدوء، والبرازيل تعرف أهم ازدهارها في ظل عامل نظافة بسيط، ووزير خارجية ألمانيا (التي كانت فوق الجميع) سائق تاكسي، ومستشارها من أب يهودي ومستشارتها الأولى تعتذر عن الهولوكوست في إسرائيل.

لم يبق شيء على هذه الأرض إلا وتغير. ولم يبق قمر صناعي إلا ودار حول الأرض ينقل الينا وجه العبقرية الفنية الحديثة، هيفا. لم يبق شيء كما عرفناه، إلا التوافق العربي والقمة العربية والموقف من لبنان. ولبنان نفسه. كان لبنانان فأصبح اربعتشر مضروبة بثمانية مقسومة على عشرين. ولن تتغيروا.