الزي المناسب!

TT

لا اعتراض ـ مثلا ـ على قزقزة اللب، ولكني أعترض على أن يكون ذلك في الأوبرا أو في السينما..

ولا أعترض أيضا على الفساتين والبنطلونات غير المناسبة.. ولكني أعترض على أن يكون ذلك في الجامعة حيث الروح الجادة، وحيث الرغبة الصادقة في الانصراف «إلى» العلم وليس الانصراف «عن» العلم..

وإذا كان الدين يطلب منا أن نخلع أحذيتنا عندما ندخل إلى المسجد فليس في ذلك دعوة إلى الحفاء وخلع الأحذية والمشي على لحم القدمين!

وإنما كل مكان له الزي المناسب.. فالمايوه للبلاج.. وقمصان النوم للبيت.. والفساتين القصيرة للشارع .. والملابس المحتشمة المحترمة للأماكن المحترمة الجادة.. مثلا.. وأنا أعتقد أن الجامعة مكان يستحق الاحترام.. ويجب أن يصان احترامه وتقديره.. فهي مكان يتسم بالاحترام في كل الدنيا..

حتى انجلترا التي اخترعت «الميني جيب» لا تسمح لطلابها بأن يكونوا خنافس، ولكن ليس لديها أي مانع في أن يتحولوا خارج الجامعة إلى خنافس وقطط وكلاب.. وأية حيوانات أخرى تعجبهم!!

وأذكر أنني في أول مرة ذهبت إلي باريس كانت في رأسي صور سياحية مجنونة، فقد تصورت أن الهواء في باريس زفرات وأن المطر دموع.. وأن أغصان الشجر تلتف في عناق دائم، وأن الناس يشتعلون بالعواطف.. ولكن عندما أقمت في باريس شهوراً عديدة وجدت باريس شيئاً آخر: العلم والبحث والفن، وألوف الكتب الجديدة، ومئات المحلات الأنيقة.. وقاعات البحث والأساتذة العظام، فباريس ليست كباريهات ولهواً ولعباً، ولكن هناك الجد، وهناك اللعب، وهناك الجد أكثر!

وأخيراً على أن يدخل المواطنون دار الأوبرا بالقميص والبنطلون، فليست هذه شعبية.. ولا هذه اشتراكية.. ففي روسيا لا يمكن أن يدخل أي مواطن الأوبرا أو المسرح أو حتى السيرك بالقميص والبنطلون، فهذه جليطة صارخة! والروس ليسوا جامدين ولا متزمتين، ولكن هناك أصولا لكل شيء.. فكل مكان له الزي المناسب.. القميص والبنطلون للشوارع والحدائق، ولكن الملابس المحترمة للأماكن المحترمة.. ولا يمكن أن تكون الجامعة أو الأوبرا أقل احتراماً ـ في نظرنا ـ من السيرك الروسي!