الجوع والنكتة

TT

يقال إن نصف النكات تدور حول الجنس. إذا صدق ذلك على النكات الاجتماعية، فإن نصف النكات السياسية تدور حول الجوع. روى المنكتون السوفييت أن رجلين جائعين عثرا على رغيف خبز. قال الأول الحمد لله. هيا بنا نتقاسم الرغيف ونأكل. قال الثاني: كلا تذكر أيها الرفيق ما تعلمناه من الماركسية. لكل شيء نقيضان. لهذا الرغيف جانبه الصوري وجانبه المادي. دعنا اليوم نتمتع بصورته ثم نستمتع بمادته يوم غد. استلقى الرجلان على العشب وناما. وعندما استفاقا لم يجد الأول أي شيء من الخبز. فسأل الثاني، أين ذهب الرغيف؟ فأجابه هذا: لقد أخذت حصتي الجانب المادي وأكلتها وتركت لك حصتك، الجانب الصوري.

تنطوي النكتة على السخرية من الوضع الاقتصادي وأيضا الفلسفة الماركسية بعين الوقت. ترتبت على نقص المواد الغذائية تلك الصفوف الطويلة (الطوابير) أمام دكاكين التموين. سمع أحد سكان كورسك بوجود بطاطس في موسكو فركب الباص إليها. سأله الجابي إلى أين ذاهب، فقال إلى دكان البطاطس في موسكو. قطع له التذكرة إلى مدينة تيولة. فقال له أنا أريد موسكو. فأجابه الجابي، نعم ولكن صف الانتظار للبطاطس يبدأ من مدينة تيولة.

لا شك أن هذا النقص في المواد الأساسية كان يرجع إلى التخبط السوفيتي في التشبث بالآيديولوجيات النظرية واستعمال وسائل إنتاجية تجريبية فاشلة. تأتي على رأس ذلك المزارع الشمولية. كانوا قوما يحاولون أشياء جديدة تعرضت لسلبيات كل شيء جديد. وكان من مبتدعاتهم هذه ما عرف بالستاخونوفية التي تتضمن اختصار الوقت. سخر منها الظرفاء فقالوا إن طبيبا من المؤمنين بها وصل المستشفى متأخرا. فقال للممرضة: ليس لي من الوقت للنظر في درجة حرارة المرضى واحدا واحدا. اعطني فقط معدل درجات حرارتهم.

أمام الحرمان ونقص المواد الغذائية، لاحظ الظرفاء البحبوحة التي كان يعيش فيها القادة وكبار زعماء الحزب فقالوا إن برجنيف اصطحب معه والدته عند تسلمه منصبه في الكرملن. راح يفرجها على القصر وكل ما فيه من الثريات والمذهبات والكريستالات. استولى عليها العجب والإعجاب ثم تمتمت قائلة له: «ولكن يا ولدي ماذا ستفعل بكل هذا عندما تأتي الثورة؟».

لا عجب أن تثور ثائرة السلطات السوفيتية على هذه النكات والسخريات. ذكر أحد تقارير الكي جي بي فقال: إن النكات أصبحت مثل ريح عاتية تحمل بذور الأعشاب الضارة التي تنبت فورا في ألوف الحدائق. بيد أن الرئيس غورباتشوف علق على ذلك فقال: إن النكتة كانت تحمل روح الخلاص للشعب السوفيتي.

سألوا أحد الظرفاء كم مرة يروي المواطن ما يعرفه من نكات؟ فقال ثلاث مرات. يرويها أول مرة لأصدقائه. ثم يرويها ثانية عند استجوابه من قبل المخابرات. ثم يرويها للمرة الثالثة لرفاقه السجناء في المعتقل.