الإعلام بين الطب والشعوذة

TT

هل نحن مسؤولون عن انتشار الأمراض بما فيها الوبائية؟

نعم، الصحف والتلفزيونات مسؤولة جزئيا عن فشل الصحة العامة، ومسؤولة كثيرا عن انتشار العادات غير الصحية، ومسؤولة الى حد ما عن الارقام المتزايدة من مرضى السكري والكبد الوبائي والجلطات والملاريا وغيرها. أحد العاملين في المجال الصحي اعتبر الاعلام متورطا أيضا في الترويج للعادات الصحية الخطرة من تسويق المأكولات كثيرة الدهن، والوجبات السريعة، وتدخين السجائر والأسوأ منه تدخين الشيشة.

سمعت ذلك في مؤتمر طبي في الرياض عقده مستشفى الملك فيصل التخصصي للمختصين في سرطان القولون والمستقيم. ولأنني كنت ضيفهم، وأول خطيب في برنامجهم، لم أجد وسيلة للتملص من المسؤولية العامة، الا بتحميلهم المسؤولية أيضا.

والحقيقة انني أدري عن التبرم السائد في المجتمع الطبي من الاعلام وتحديدا في تهمتين. أولاهما اتهام الاعلام بالتقصير في تأدية واجباته التوعوية، والثانية إمعانه في نقل المعلومات الخاطئة، وأحيانا المضللة للجمهور.

وليس لي الا أن أرفع راية الاستسلام البيضاء، معترفا بأن كل ما تقدم في لائحة الاتهام، بكل أسف، صحيحة. وقد حاولنا في وسائلنا وضع قواعد عامة للتعامل مع الاخبار الصحية، الا أن الكثير من المعلومات المغلوطة ظل يتسرب. كما ان معظم وسائل الاعلام الأخرى لم تضع اصلا قواعد تفرق بين أخبار الطب الصحيح والشعوذة، وصارت تعامل أخبار الطب مثل أخبار الرياضة أو أقل دقة.

وقد حاولت جهدي أن ادافع عن بني مهنتي، موضحا ان اللوم على الأخطاء الإعلامية في تعاطي المعلومات الطبية يشترك فيه اهل الطب، والصحة عموما. ونصيحتي لهم ان يتولوا الأمر بأنفسهم، فتقوقعهم داخل مستشفياتهم ووزاراتهم، سهل للجهلة الافتاء الطبي. لذا تجد على الدوام اخبارا عن علاجات مكذوبة للسرطان والايدز والسكري، هدفها استغلال حالات اليأس عند المرضى. وذنب الاعلام هنا انه لا يعطي لقيصر ما لقيصر فيستفتي اهل الطب.

والجانب الآخر الذي سمعته من قبل، اهمية الثقافة الوقائية. والاعلام يستطيع أن يخفف من اضرار الاختلال القائم في المجتمع الصحي من نقص في الاطباء، والأسرة، والأدوية، والاموال الضرورية. فعدد الاطباء لكل مائة الف مواطن لا تتجاوز مائتي طبيب فقط. وبالتالي عندما يساهم الاعلام في اقناع الآباء بتطعيم اطفالهم ينقذ حياتهم، ويوفر الكثير من الجهد والألم والتكاليف. قادرة على تقليل الاصابات بالأمراض المختلفة، ولا يزال المثل القديم صالحا للممارسة حتى اليوم من أن الوقاية خير من العلاج، والوقاية هنا هي واجب الإعلام. فأمس كان اليوم العالمي للسل، وقد دعت المؤسسات الصحية الدولية الاعلام الى التدخل من اجل توعية الناس بأسباب المرض، لكن القليل ظهر في الوسائل الصحفية العربية.

وهنا يمكن أن نوسع دائرة المسؤولية، ولا أقول الانخراط في لعبة اللوم، بحيث تشترك المؤسسات الصحية، وشركات التأمين، والشركات التجارية العامة، والحكومات كذلك في اعتماد الاعلام في توجيه الناس بشكل مكثف، لأن النتيجة ستكون ساحرة بأكثر مما يتصورون. واعتقد ان كل العاملين في المجال الاعلامي سيرحبون باستخدامهم لمثل هذا الهدف النبيل.

[email protected]