أسبوع الأحزان والإخفاقات العربية

TT

ليست مصادفة أن يتجمع أكثر من إخفاق عربي في أسبوع واحد: فشل الحوار بين المغرب والبوليساريو. فشل الوساطة اليمنية بين فتح وحماس. فشل المصالحة الطائفية في العراق. فشل جديد للديمقراطية الانتخابية في الخليج. غموض يلف قمة دمشق العربية. انفجار كردي في سورية. تصاعد الخلاف في لبنان. تهديدات جديدة لابن لادن للعرب وللغرب. تصاعد تكفير حرية التعبير. استغلال الإعلام الغربي لتظاهرات الشارع الإسلامي.

لست بصانع من صُنَّاع الحزن العربي عندما أتناول هذه الإخفاقات المثيرة للحزن بالعرض والنقد. أومن بأن الأمة التي لا تفرح لا تستطيع أن تتغلب على الشدائد والأحزان. ليكن فرحنا موصولا بحزننا. أحسب ان العرب واقعيون. يشاهدون الفَرَحَ في مآقي هيفاء. يحسون بالحزن وهم يتلمسون هذه الاخفاقات. كأنهم شاعرهم الكبير الشابِّي في شكواه من قلبه: «لا فرح يبقى على سطحك الطاغي ولا ألمُ».

كانت الصحراء المغربية معبرا للعروبة والإسلام من المغرب باتجاه غرب افريقيا. زرت السنغال ومالي والنيجر. رأيت تحية «السلام عليكم» معبر الأمان في الأدغال. شاهدت الألوف يتحلقون في الأمسيات شيوخ الإسلام وهم يشرحون سماحة الإسلام وتسامحه. زرت المغرب مرارا، جلت في صحرائه. حزنت لرؤية جيش عربي شجاع يرابط لأول مرة في تاريخه في صحرائه لحمايتها من أشقائه، فيما كان يصطف دائما في الشمال لحماية ثغوره المتوسطية من اعدائه.

في ذروة فشل الحوار مع البوليساريو، بادر المغرب إلى تقييم عرض للمصالحة مع الجزائر، لإعادة العلاقات وفتح الحدود. تقديري كبير لرجل كبوتفليقة وارث لغيرة الراحل بومدين العربية. لكن دهشتي كبيرة! كيف يكافح بوتفليقة لمصالحة الجزائر مع نفسها، ولا يطوق هذا الخلاف المزمن مع شقيقتها؟! لعل المغرب يسوي الخلاف الحدودي مع الجزائر، لتمكين بوتفليقة، اذا أراد، من تهيئة الجزائريين والمؤسستين العسكرية والحزبية لمصالحة نهائية مع المغرب، واعادة احياء «اتحاد المغرب العربي» توفيراً لموارد الجزائر، ووضع حد لاستنزاف المغرب الفقير.

مع رحلة قطار الاحزان الطويل، أتمهل في المحطة السودانية. كان على النظام الاسلامي الحاكم ان يعدل بين عرب وأفارقة دارفور. فقد ساوى الاسلام بينهم. كان على النظام أن يضع حدا للغزو الجاهلي والاقتتال القبلي. في عصر الدولة الحديثة، المفروض في النظام السوداني اذا ادعى وصلا بالعصرنة والحداثة، أن يضع مواطنيه على مستوى المساواة في المواطنية، حقوقا وواجبات.

في محطة الاحزان الفلسطينية، مبادرة المصالحة اليمنية معرضة للفشل. ما زالت كبرياء فتح وحماس تعلو فوق الهم المشترك بمأساة العجز عن توحيد النضال والجهاد لانهاء الاحتلال.

في آخر الفصول المضحكة المبكية للديمقراطية اللبنانية، يغلق نبيه بري أبواب مجلس النواب بالمفتاح، ليس للحيلولة دون انتخاب رئيس للجمهورية، وانما ايضا لمنع حكومة السنيورة من دخول البرلمان! رئيس المجلس يزعم لنفسه، لا للنواب، حق نفي أو تأكيد شرعية الحكومة، لكنه يسكت عن لاشرعية تصريف وزراء الشيعة المستقيلين لشؤون وزاراتهم عندما يريدون، ويستقيلون ويتغيبون عن مكاتبهم عندما يريدون.

أغرب الوزراء هذا «الصلوح» وزير الخارجية. هو مستقيل بأوامر «أمل» و«حزب الله». لكنه يقبل على نفسه مهانة استلام دعوة لبنان الى قمة دمشق، من معاون وزير مغمور، دعوة كان يجب أن يحملها الوزير المعلم، بكل ثقله وشحمه، وبكل مهابة واحترام الى رئيس حكومة لبنان الذي يتولى صلاحيات رئيس الجمهورية الغائب.

الأطرف، سورية بشار رفعت شعار «التضامن العربي» عنوانا للقمة، فيما عمل نظامه كل ما في وسعه من أجل تغليب «التضامن مع إيران» على التضامن مع العرب. وهو لا يدري، بعد، ان ايران توحي سرا للغرب عن استعدادها للتخلي عن التضامن مع السوريين واللبنانيين والفلسطينيين، إذا سمحت أميركا لها بصنع قنبلتها النووية.

ما زال انقاذ النظام من العدالة الدولية التي ستحاكم قتلة الحريري أغلى عمليا عنده من «قمة التضامن». ضعف النظام عربيا ودوليا يتيح المجال لتحرك الأقلية الكردية قبل أيام من انعقاد القمة. النظام محرج. إذا منح الأكراد حقوقهم الثقافية اتهم بتهيئتهم للانفصال عن سورية، لا سيما انه متهم أصلا بالسكوت منذ حرب 1973 عن اقتطاع اسرائيل الجولان. تماسك سورية، دولة ونظاماً. لا يتحمل وطأة انفصال جغرافي آخر، بعد خسارة الجولان، وفصل فلسطين والأردن ولبنان عن ولاية الشام التاريخية.

أخفقت المصالحة مرة أخرى في العراق. حكومة المالكي الطائفية تقدم تبعيتها لإيران على ولائها للعراق. هي لا تريد للسنة أن يشاركوا مشاركة حقيقية في القرار السياسي والسلطة، إيران تهدد أميركا بتحريك ميليشيات الشيعة العراقية المسلحة إيرانياً ضد القوات الأميركية، إذا استمرت أميركا في تسليح ميليشيات السنة. ربما أدركت إدارة بوش متأخرة وبعد فوات الأوان، ان ارضاء السنة يشكل عامل الاستقرار الحقيقي في العراق.

الديمقراطية الخليجية ليست بأفضل حال. سُحُب القلق تتجمع في أفق المستقبل. التجربة النيابية لم تثبت قدرتها على تجاوز المأزق الطائفي بين السنة والشيعة. التربية الديمقراطية عبر الاعلام والمدرسة والجامعة، ومن خلال تشجيع الحوار السلمي، أفضل بكثير من اللجوء الى حل المجالس المنتخبة. كل برلمان منتخب يأتي أكثر تعصبا وتزمتا من البرلمان الذي سبقه. الجيل الجديد لا يتمتع بحكمة الجيل القديم الحاكم الذي وفر استقرارا نسبيا وتنمية اقتصادية خلال العقود التي تلت الاستقلال.

أيضا، القطاع الخليجي الخاص يتحمل مسؤولية هز الاستقرار الاجتماعي. تستقدم شركاته ملايين العمال الآسيويين، تاركة النظام الخليجي يعالج الطوفان البشري الأجنبي. معالجة أمنية لا تكفي لضمان الاستقرار، ولا تحمي صفاء الهوية القومية، ثقافةً ولغةً.

تلك بعض الأحزان والاخفاقات المتفجرة خلال أسبوع واحد. لماذا يعلو صخب التناحر والتفكك على صوت العقل والحكمة؟ هناك سبب تاريخي قديم. العرب لم يَعَوْا كونهم أمة تجمعهم، على الأقل، ثقافة واحدة ولغة عبقرية واحدة، إن لم تجمعهم العاطفة والمصلحة. في حاضرهم، غلبت عوامل النحت والتجزئة عوامل الوحدة. أتحدث مع عرب كثيرين. أشعر بالحزن والخيبة عندما ألمس لدى المثقفين والعاديين التفاخر بمآثر الطائفة أو الهوية المحلية، وتغليبهم العصبي اللاإرادي لهما على الخصوصية المحلية المجاورة، أو وضعهما على تناقض وتضاد مع الهوية القومية الأعرض.

كتاب الثقافة والصحافة يكتبون بلغة العرب، لكن أكثرهم لا يعترف بهم كأمة! هناك كتاب يستغلون لا ديمقراطية العروبيين وخلافاتهم الاموية السابقة، للسخرية منهم بوصفهم «قومجيين». مضت خمس سنوات على سقوط نظام صدام، لم يصدر الى الآن كتاب يعرض تجربة صدام وبعث العراق الكارثية، بقلم عروبي دارس وباحث ومثقف. في المقابل، حرية التعبير لا معنى لها إذا ظلت حرية مجتزأة، غير معبرة عن وحدة الأمة ثقافيا، أو مُهانة لدى دعاة الزندقة والتكفير.

أليس من المحزن أن يكون هناك إصغاء لنذير التدمير للعرب وللعالم المنطلق من خرائب الجهل ومغاور التعصب، فيما يغيب البشير بالعقل والحب؟