انتفاضة التيبت

TT

«احذر الحليم إذا غضب».. هكذا تقول الحكمة القديمة، ولعل البوذية هي إحـــدى أشهر الديانات التي عــــرف عنها المسالمة والحلم والبعد عن المواجهة والعنـــف. والبوذية تتخذ من مقاطعة التيبت مركزا رئيسيا لها، وهي المقاطعة التي باتت جزءا من الصين بعد ضمها لها. ولقد أدى هذا الوضع المضطرب إلى هروب الزعيم الروحي والسياسي للبوذيين في التيبت إلى الهند واتخاذه لها مقرا مؤقتا له ولأتباعه. ومضت السنون ومطالبات الدالاي لاما، وهو الزعيم الروحي لطائفة البوذيين في العالم، بالاستقلال عن الصين تتواصل ويسخر لها علاقاته الدولية المنتشرة ما بين زعماء الدول والاقتصاديين والأكاديميين ونجوم الفن كقوة ضغط لإحراج الصين، حتى توج بجائزة نوبل للسلام، كل ذلك دون أثر حقيقي على أرض الواقع، بل إن الصين تمادت في عزل الدالاي لاما عن مريديه في التيبت وذلك بتعيين «دالاي لاما» آخر من قبل الحكومة، وهو بطبيعة الحال لم يكتسب ذات الشرعية ولا الجرأة التي للزعيم الروحي الأصلي. وفي الأيام الأخيرة انتفض رهبان البوذية في التيبت معبرين عن سخطهم وغضبهم ضد الوجود الصيني وقاموا بتحطيم نوافذ المحال وحرق السيارات وقتل الجنود (وهي ليست المرة الأولى التي ينتفض فيها رهبان البوذيين المعروفين بالانصياع والسلبية الكاملة، فلقد قاموا بنفس الشيء في ميرامار عاصمة بورما وهي التي تخضع لأحد أســوأ أنواع الاحتلال العســـكري الدكتاتوري البشع). ولعل انتفــــاضة البوذيين في التيبت ترسل رسالة واضحة وشديدة الصراحة للمجتمع الدولي، بأن الظلم بشتى أشكاله مرفوض وليس هناك فرق بين انتفاضة البوذيين في التيبت وانتفاضة الفلسطينيين في أراضيهم المحتلة من قبل أحد أسوأ أشكال الاحتلال والتمييز عن طريق الحكومة الإسرائيلية. وإن الموقف التأييدي التي اتخذته نانسي بيلوسي رئيسة الكونغرس الأمريكي، ودعمها للدالاي لاما وانتفاضة مريديه خلال زيارتها له مؤخرا، يأتي هذا الموقف كنوع من التفريق في المعاملة والتفريق بين الحقوق، فالسياسة الأمريكية التي ينادي دستورها بأن «كل الرجال خلقوا على درجة واحدة من السوية» يجب أن ينعكس هذا الأمر على سياستها، ولا يكون هناك كيل بمكيالين في عالم «معولم» وقرية «مصغرة». لم يعد من الممكن إقناع أي عاقل بوجود «فرق» بين المظلومين، وما يقع على الفلسطينيين جراء أفعال إسرائيل يقع اليوم نفسه من الصين على البوذيين في التيبت، ولكن شتان الفرق في التعاطي الدولي والغربي تحديدا بين ما يحدث في التيبت والأراضي الفلسطينية.. إنه عجز أخلاقي وبكل بساطة.

[email protected]