شيطان التفاصيل

TT

الشيطــان في التفاصيل كما يقال، وهذا ما ظهر قبل ان يجف حبر الاتفاق الذي وقعه ممثلا فتح وحماس في العاصمة اليمنية باسم إعلان صنعاء وقبل فيه الجانبان اعتبار المبادرة اليمنية إطارا لاستئناف الحوار بينهما للعودة بالأوضاع الفلسطينية الى ما كانت عليه قبل احداث غزة تأكيدا للوحدة الفلسطينية.

فكل جانب له تفسيره للمبادرة التي تم الخروج بصيغة وسط تجاهها (ليس قبولها ولكن اعتبارها إطارا للحوار)؛ ففتح تراها واجبة التنفيذ خاصة ما يتعلق بعودة الاوضاع الى ما كانت عليه قبل ما تعتبره انقلابا مسلحا نفذته حماس، بينما الأخيرة تريد التفاوض حول شروط التنفيذ، وان تعود حكومة اسماعيل هنية، وان يسري الاتفاق على الضفة الغربية ايضا لتصبح حكومتها بديلا لحكومة تصريف الأعمال التي يقودها فياض.

واقعيا تبدو التفاصيل المتعلقة بإطار الحوار مثل ألغام موقوتة ستنفجر فور ان يجلس الطرفان على الطاولة ما لم تكن هناك قدرة ورغبة قوية في تسوية حقيقية واستعداد لتغيير حقيقي في المواقف يتم فيه مراعاة المصالح الحقيقية الفلسطينية بعيدا عن الازرار التي جعلت الوضع الفلسطــيني ورقة في إطار صراعات أخرى تدور إقليميا ودوليا حول ملفات لا علاقة للفلسطينيين بها.

وهناك أولا قضية كيفية إعادة الاوضــــاع في غزة الى تبعية السلطة الفلسطينية ايا تكن عمليــــة اعادة التنظــــيم الداخلية في القطاع وكيف تعود شرطة السلطة بما في ذلك عملية السيطرة على المعابر، وما هو وضع شرطة حماس، التي كان يجري بناؤها تحت عين السلطة قبل سيطرة حماس، وهناك ايضا قضية الضفة الغربية، وهل تقبل السلطة بتنازلات هناك لتجد نفسها بعد فترة معرضة الى مثل ما حدث لها في غزة، وحتى لو تم ذلك هل ستظل اسرائيل ساكنة أم انها ستحرك قواتها لإجهاض أي اتفاق مثل هذا. وإذا عادت حكومة هنية سنعود الى الوضع الاول الذي ترفض فيه الدول المانحة تقديم مساعداتها الى حكومة ترتبط بحماس.

فالعقبة الاساسية والقائمة قبل ما حدث في غزة، وهي السبب الاساسي في الانقسام الفلسطيني، هي وجود رؤيتين: الاولى ممثلة في فتح والتي خرج منها اتفاق أوسلو وتركيبة السلطة والتي تقبل بدولة فلسطينية على حدود 1967، والثانية التي تمثلها حماس والتي رفضت من البداية اتفاق أوسلو والسلطة وترى ان الحل هو العودة الى ما قبل 1948، وبين الرؤيتين فارق شاسع حتى لو كانت الرؤية الثانية نظرية فقط، لأن الممارسات على الأرض تجعل الصف الفلسطيني غير موحد ليس فقط في الرؤية ولكن في الاستراتيجية والأهداف، وإدارة عملية التفاوض، بما يعطي الفرصة لإسرائيل للقول انه لا يوجد جانب فلسطيني موحد قـــادر على فرض إرادته في مناطقه للتفاوض معه.

وما توحي به تصريحات فتح وحماس بعد اعلان صنعاء هو ان الحوار المتوقع ان يبدأ في ابريل، سيكون حول السلطة وطريقة تقاسمها، وهذا مهــــم في ظــــل الاوضاع المعيشية الصعبة وإنهاء أزمة غزة، لكن الأهم حتى يعيش أي اتفاق هو إجراء حوار يتعلق بتوحيد الرؤية الفلسطينية تجاه الحل النهائي، وكيفية السعي لتحقيق هدف قيام الدولة الفلسطينية في إطار ما هو قائم من مبادرات دولية وإقليمية.