قمة الإهانات

TT

جرت العادة أن الدولة المضيفة للقمة تبذل كل جهدها من أجل خلق مناخ لنجاح المؤتمرين، سواء في طرح القضايا او استضافة الأعضاء، إلا قمة دمشق. فالقمة قصة تستحق ان تروى، بالفعل. فقد بدأت كأزمة حتى قبل إرسال بطاقات الدعوة عندما توعد نائب الرئيس السوري فاروق الشرع الدول العربية علانية بـ«ان من لا يحضر سيندم». قول لم يأت بمثله مضيف في تاريخ المؤتمرات في العالم!

ومن التخويف الى فرض الموضوعات، حيث اطلقت دمشق جملة تصريحات مفادها بان لبنان لن يكون الموضوع الرئيسي ضد قناعة جميع الدول تقريبا. فالتوتر في لبنان يستوجب جدولته كموضوع رئيسي للنقاش، بدليل أن الأمين العام للجامعة العربية خصص كل وقته منذ مطلع العام الحالي لهذه الأزمة. رد وزير الخارجية السوري وليد المعلم بأن هناك قضايا أهم من لبنان. وفجأة انفتحت شهية حركة حماس، التابعة قياديا لدمشق، فبدأت إطلاق الصواريخ على اسرائيل، وبالتالي خلقت المناخ المناسب لتصريح الوزير المعلم مع الرد الاسرائيلي المدمر ضد غزة.

وكانت أمنية الجميع أن تستفيد سورية من القمة على أرضها لأول مرة بخطوة تصالحية تعزز الوضع اللبناني على الاقل في قضية تعيين الرئيس المتفق عليه الجنرال ميشيل سليمان. فهو مرشح من الاقلية، حلفاء سورية، وقبلت به الاكثرية. المفاجأة أن حلفاء سورية تخلوا عن مرشحهم، ربما أملا في إطالة الأزمة. وليس لسورية عذر مبرر، فهي ميدانيا تسيطر على الوضع الحاضر. من خلال حلفائها في الأقلية، لاحظوا أنها أقلية، لهم رئاسة الجمهورية، ورئاسة البرلمان، وشلوا سلطة رئاسة الحكومة بفرض مبدأ الثلث المعطل. اي ان سورية، بالوكالة، صار لها كل السلطات الثلاث ومع هذا رفضت فكرة تسهيل تسليم سليمان الرئاسة اللبنانية في فترة القمة، وبالتالي نزع فتيل التوتر.

واذا كانت القمة تبدو غريبة، بدءا من تهديد الشرع للدول العربية، الى حجب فرصة حل المشكل اللبناني، فإن الأغرب هو الكيفية التي دعت القادة الى القمة. هل تعرفون كيف وجهت القيادة السورية دعوتها للسعودية؟ أرسلت الدعوة مع رئيس الهلال الاحمر السوري في إهانة صريحة للسعوديين. كانت تريد بذلك ان تدفع الرياض الى المقاطعة إلا ان السعودية اختارت ان ترسل سفيرها في الجامعة العربية، حتى تحول دون حدوث انشقاق عربي بسبب قمة الإهانات.

سورية، ونقولها بكل أسف، لا تؤمن بمفهوم التنازلات الايجابية، الذي هو العرف المستمر في إصلاح العلاقات العربية رغم أنها المضيف. خلال ثلاث سنوات صعبة كانت تفرض رأيها ومواقفها وتحالفاتها بكل الوسائل، وهي اليوم تريد من القمة ان تكون صورة للانتصار السوري اكثر من كونها تجمعاً للمصالحة العربية.

[email protected]