الحمد لله

TT

كنا أربعة أشخاص متحلقين حول طبق ممتلئ (بالقعقع) ويسمونه في مصر (عين الجمل)، ولم يكن هناك كسّارة بندق، وأصبحنا كالأيتام على مائدة اللئام، احدنا حاول أن يكسر واحدة منها بأسنانه، فكادت أسنانه أن (تتهرشم)، وكنت الوحيد الذي أخذت ألعب وأتسلى بها مسترجعاً أيام الطفولة والبؤس.

وإذا بأصغرنا سنا وأكبرنا عقلاً يوجه للجميع سؤالاً غير متوقع وقال: ما هو أجمل ما في الحياة؟!

والواقع أن سؤاله ذاك كان (فضفاضاً) ولا يركب لا على عجلات ولا على قضبان، لكنني مع ذلك تسرعت بالإجابة عنه قائلاً: أعتقد أن أروع الأشياء في الحياة هي (الملذات الصغيرة).

سألوني دفعة واحدة: مثل ماذا؟!، أجبتهم: أوه، أوه، ما أكثرها (عد واغلط)، ثم صمتت صمت أبي الهول الرابض المحرْول.

فقال الثاني: إذا كان ولا بد من الملذات فإن لذتي التي لا تضاهيها لذة هي رؤيتي لفلذات كبدي الذين أشاهدهم وأرعاهم وكأنهم قطيع من العجول الصغيرة.

والواقع أن ذلك الشخص لم يكذب في لذته تلك ولا في وصف فلذات كبده، لأنه ما شاء الله طول وعرض وإذا تكلم لا تفرق صوته من صوت خوار الثور الذي ليس له ذيل ـ والوراثة بالطبع لها دور.

فقال الثالث: إن لذتي ومتعتي هي في دفء الفراش، وعندما أستيقظ في الصباح البارد مذعوراً للذهاب إلى العمل فأكتشف أن التوقيت غلط، وأنه ما زال أمامي ساعتان أتمتع خلالهما بالنوم اللذيذ.

وعندما أمعنت النظر في ملامح ذلك الرجل أدركت أنه كذلك لم يكذب وكان صادقاً في شعوره، فملامحه وجسمه وأطرافه كلها (متهدّلة)، وعيناه يغشاهما النعاس، ومدبلتان كعيني المطرب فريد الأطرش عندما يغني أغنيته المشهورة: (تصبح على خير يا حبيبي).

ثم تكلم الأول الذي طرح علينا ذلك السؤال الفج الفضفاض وقال: إن غرامي هو بتقليب وتصفح أوراق دفتر الشيكات ومراجعة حساباتي ورصد أرباحي، فلذة (الكسب) هي الأولى والأخيرة في هذه الحياة، وما عداها ما هو إلا ضياع وقت وتجديف بالرماد.. فصحت به مادحاً ومتحسراً: صح لسانك ودفتر شيكاتك.

بعدها التفت الثلاثة نحوي يريدون أن يستنطقوني.. فتمنعت منهم وأنا الراغب.

وعندما حاصروني وألحوا عليّ بالسؤال، قلت لهم وكأنني أعزف على العود بعض التقاسيم:

متعتي هي بالجمال أينما (حل وكان وتشكّل) سواء بالصوت أو الصورة أو الشم أو الذوق أو اللمس أو حتى بالخيال، ولا أنسى إعجابي بذكاء وشجاعة امرأة جميلة ذكرتني (بكاترين دي نوف) عندما كانت بعزّها، وذلك عندما سلمت عليها في حفلة جماعية، وداعبتها مازحاً ومفتعلاً الاحتجاج على ارتدائها فستانا مفتوح الصدر أكثر من اللازم، فما كان منها إلاً أن تلقمني حجراً عندما قالت لي من طرف خشمها المسمسم: لو أن لي ساقين جميلتين، لارتديت فستاناً قصيراً.... ـ (وأبصم بالعشرة) أنها كذابة.

قلت لها وقد هزني الشوق: هاتي إيدك (يا مضروبة) أبوسها.

فمدت لي يدها بكل (قلاطة).

فرغت منها كما يروغ (أبو الحصين).

والحمد لله أنني خرجت من تلك الحفلة (طاهر الذنب) دون أن اقترف أي إثم أحاسب عليه من رجال الحسبة، (الله يكثرهم)، وكلمتي الأخيرة هذه أعتقد أنني أقولها بصدق من أعماق أعماق فؤادي.

[email protected]