هناك ما هو أقوى من البن والشاي!

TT

رأيت مدير إحدى الشركات الألمانية وقد وضع إلى جوار مكتبه دلوا صغيرا من المعدن يتصاعد منه البخار وسط باقات الزهور.. لم أفهم.. سألت. عرفت أنه يخفي هذا الدلو عن عيون الناس، حتى لا يسأله أحد عن هذا المنظر الغريب!

أما هذا الدلو فهو مليء بالقهوة الساخنة دائما.

قال لي المدير: إنه ورث عادة القهوة دون أن يشربها عن والدته.. فقد كانت أستاذة في الجامعة. وكانت تجلس ساعات طويلة في مكتبها.. وتكره أن يقاطعها أحد أو أن تنهض من مكانها لتعد لنفسها كوبا من القهوة أو كأسا من النبيذ.

ويقول إن والدته وقد ورثت هذه العادة الغريبة من والدتها التي عاشت في اليابان، في منطقة جليدية.. فاعتادت على أن يكون البيت دائما مليئا بالبخار..

ويقول: إنه لا شيء ينعش الإنسان مثل بخار البن أو الشاي.. فهو ينبه الأعصاب، ولا يؤذي المعدة.

ولم أعرف مما قرأته، أن أحدا كان يضع القهوة في جردل إلا الأديب الفرنسي بلزاك.. كان يسرف في كل شيء أثناء الكتابة: القهوة والنبيذ والجنس.. وكان يقول: إن الكتابة والاستعداد لها يملأ الجسم بالقوة التي تغريه بأن يأكل الورق، لا أن يكتب عليه! ولذلك فهو يظل يطفئ حيويته، ويخمد طاقته حتى يصبح في مستوى الورق.. قادرا على الكتابة الهادئة وقتا طويلا!

وكان الأديب الأمريكي همنجواي، الذي عشق كوبا وأحبها، يخلط القهوة بالويسكي بالزبدة.. ثم يشربها أو يأكلها مجمدة.. ثم يدهن بها جسمه. وكان عندما يكتب يضع على المنضدة عشرات أقلام الرصاص، وأمام باب غرفته عشرات الأحذية الواسعة ينقل قدميه فيها، ثم تمثالا جليديا صغيرا لزيوس كبير آلهة الإغريق مصنوعا من البن والزبدة ويظل يلعقه!!

أما الشاعر الفرنسي الرقيق بول جير الدي كان يأتي بفوطة مبللة في القهوة الساخنة، ويضعها على وجهه.. ويسترخي بعض الوقت.. ثم يكتب... ولكنه لم يذق القهوة أو الشاي أو الخمر.

وله عبارة مشهورة: إن الله قد أودع في كل قلب ما هو أقوى من كل المنبهات والمنومات والمسكرات: الحب!