طعنة في «الصدر»

TT

أشك أن عملية «صولة الفرسان» في جنوب العراق هي من أجل استتباب الأمن وفرض هيبة الدولة، إذ يبدو أن من استخدم قوات مقتدى الصدر بالأمس قرر اليوم التخلص منها، ومنح القوة للحكومة الموالية لإيران.

الحكومة العراقية تتحدث اليوم عن دعم مالي ومسلح كانت تتلقاه الميليشيات في الجنوب من دول مجاورة، وإذا لم تكذب علينا الجغرافيا، وهي لا تكذب، فإن الدولة المجاورة هي إيران.

اليوم نحن أمام نموذج مشابه لنموذج سقوط «أمل» في لبنان وصعود «حزب الله»، فمنذ اعتزال أو انعزال أو عزل مقتدى الصدر، وغيابه للدراسة بإيران كما يشاع، بدا أن مرحلة استخدام الصدر من قبل طهران قد انتهت.

مقتدى الصدر قوة ضاربة، لكنها طائشة، ليس بذكاء حسن نصر الله السياسي، بل لا يعرف لغة السياسة، لكنه كان عاملا مهما في بسط النفوذ الإيراني لحظة سقوط نظام صدام حسين. واليوم يبدو أن طهران ليست في حاجة إليه، طالما انها تسيطر على العراق ضمن الآلية السياسية.

نظام نوري المالكي استطاع بوعي سياسي، قابله جهل سياسي سني، كسب واشنطن أو تحييدها، واستطاع تحقيق تقارب إيراني ـ أميركي حول الملف العراقي، مستغلا الظروف السياسية بواشنطن، من حيث ضعف بوش بعد سيطرة الديمقراطيين على الكونغرس، ودخول أميركا مرحلة الشلل السياسي بسبب الانتخابات.

إيران ليست بحاجة لمقتدى الصدر، بل تريد نموذجا متطورا، يفوق حتى نموذج حزب الله للاستحواذ على العراق، فحكومة مسيطرة أفضل كثيرا من معارضة كل ما تملكه أو تطالب به هو حق التعطيل، على غرار ما يحدث في لبنان.

أهمية عملية «صولة الفرسان» ليست في المشاركة الأميركية، بل في نتائج زيارة أحمدي نجاد الأخيرة لبغداد، فلا يمكن استهداف جيش المهدي، الذي كان يقول مقتدى الصدر إنه لا يحله إلا الإمام نفسه، من دون مباركة إيران.

كلام المهدي عن حل الجيش من قبل الإمام كان يقال أيام قامت حكومة أياد علاوي بمحاصرة النجف لكسر شوكة جيش المهدي، حيث رأينا بعدها كيف تعرضت قيادات تلك الحكومة للملاحقة بتهمة الفساد وغيرها من التهم لأنها تجرأت على رفع السلاح بوجه قوات الصدر.

اليوم، وبينما يتلقى مقتدى الطعنة في الصدر، تلزم إيران الصمت، ومثلها رجال الدين الشيعة، وكل ذلك لأن زر التحكم واحد وهو طهران. فمن الواضح أن الفرصة مواتية اليوم لإحكام قبضة طهران على العراق، استغلالا لرغبة أميركية في استقرار العراق بأي ثمن، وقبل أن تحسم الانتخابات الأميركية، فوقتها سيأتي رئيس للبيت الأبيض يجد نفسه ملزما للتعامل مع واقع يفرض نفسه ببغداد. وحتى لو تغيرت الوجوه في الحكومات العراقية المقبلة، فوقتها سيدورون في فلك إيران.

لو كانت «صولة الفرسان» لحماية العراق ككل، لكانت هناك مصالحة حقيقية على الأرض بين ألوان الطيف العراقية، من قبل حكومة المالكي. فعندما حاصر أياد علاوي النجف لمطاردة جيش المهدي الشيعي، كان في نفس الوقت يدك إرهابيي الفلوجة السنة، وشتان بين الأمس واليوم. ولذلك فما يحدث في العراق الآن هو طرف يريد التخلص من منافسه، لكن كلهم تحت مظلة واحدة، وعلى طريقة أفلام المافيا!

[email protected]