رصاص تلفزيوني

TT

تجاوزت وظيفة الإعلانات الترويجية للمقابلات السياسية التلفزيونية مع زعيم لبناني ما حدود الإعلان عن حدث يفترض أن يقدم للرأي العام توضيحات وتفاصيل تتعلق بموقف سياسي ما أو استعراض سياق أحداث وتطورات على غرار ما يقدمه أي لقاء صحافي سياسي آخر. لقد بات موعد المقابلات التلفزيونية أو التصريحات المباشرة لبعض الزعماء اللبنانيين بمثابة إعلان عن ساعة الصفر لاشتعال سماء بيروت ومناطق لبنانية برصاص حي غالباً ما أثار فزعاً ورعباً، بل وأدى إلى سقوط قتلى وجرحى وأعاد ذكريات الحرب التي يهجس اللبنانيون اليوم باندلاعها في أي لحظة. قبل اسابيع قليلة تداول حاملو الهواتف النقالة وموقع اليوتيوب على الانترنت لقطات تم تصويرها عبر الهاتف لشاب لبناني يحمل قاذفة صاروخ (آر بي جي) ويعبر الشارع في إحدى المناطق ويطلقه نهاراً أمام المارة لمناسبة ظهور رئيس مجلس النواب نبيه بري في مقابلة تلفزيونية. جرى ذلك ويجري تقريباً على نحو دائم، والشاب الذي أطلق الصاروخ لم يخف وجهه، بل رآه عشرات المارة هو وآخرين من المحتفلين. وفي أي حدث مماثل يطلق المناصرون النار جهاراً وعلناً دون أي خوف من ملاحقة أو منع.

وإذا كانت عادة إطلاق النار بدأت مع مناصري الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله الذي اقترن ظهوره باشتعال سماء بيروت والضاحية بالرصاص، إلا أن الظاهرة وفي ظل شعور مناصري قيادات أخرى بالاستفزاز فهي امتدت مؤخراً لتطال قاعدة زعماء سياسيين آخرين.. مقابلة تلفزيونية في مواجهة مقابلة تلفزيونية أخرى.. الرصاص مقابل الرصاص.. لا شك أن الأزمة اللبنانية الراهنة والمستمرة منذ مدة كرست سلوكيات وأفعالا عامة أقل ما يقال عنها انها نافرة وغير مقبولة، لكن شيوع تداولها جعلها حدثاً عادياً لم يعد يثير أي ردود فعل تذكر. واحد من أبرز هذه السلوكيات هو مبادرة مناصرين وحزبيين لإطلاق الرصاص في الهواء عندما يدلي مسؤول أو زعيم بارز بمقابلة تلفزيونية. الإعلام اللبناني لم يطرح على نفسه مهمة تعقب مطلقي الرصاص والبحث في هذه الظاهرة على نحو معمق يتجاوز حدود تسجيل المواقف لفريق على حساب آخر، لا سيما في ظل معلومات عن انتشار السلاح بين اللبنانيين وعن قيام مجموعات بتسليح أنصارها. صار إطلاق الرصاص لازمة بديهية تسبق ظهور بعض قادة الصف الأول من الزعماء اللبنانيين على الشاشات. لكن من هم مطلقو الرصاص وما هي دوافعهم وهل جاءتهم أوامر أو تعليمات ليقدموا على ما يقدمون عليه؟!!

إنها اسئلة من المفترض أن نجد أجوبة عنها في وسائل الإعلام وهذا ما لم يحصل.

لم نسمع في وسائل الإعلام عن عقاب طال أحد المقدمين على إطلاق النار.. لا نعرف ما هي عقوبة هذا الفعل أصلا، وحتى يتم ذلك يبقى أن نأمل أن تكون المقابلات التلفزيونية للزعماء اللبنانيين في وقت مبكر نسبياً حتى لا يفاجئنا الرصاص في وقت متأخر من الليل ويثير رعب أطفالنا..

diana@ asharqalawsat.com