إلا بتقرير طبي

TT

أفتى الصديق الكريم الدكتور أحمد حسون، مفتي الديار السورية، بأنه لا يجوز للقادة العرب التغيب عن القمة المقبلة إلا لسبب صحي. وواضح أن الفتوى سياسية وفي موضوع سياسي وصادرة عن موقع ملزم بمسؤوليات الدين وأحوال الدنيا. لكن المشكلة هنا أن لا سابقة يعول عليها. لا الأزهر أفتى مرة بحضور قمم القاهرة، من أيام عبد الناصر إلى أيام مبارك، ولا مفتي السعودية اجتهد في لقاءات مكة أو مؤتمرات الرياض، عربية وخليجية.

الواقع أنني أريد أن ألفت سماحة الدكتور حسون إلى ما حدث في مقر القمة السابقة، الرياض. فقد قاومت الرياض فكرة عقد القمة عندها طوال عقود. دورية أو استثنائية أو عادية. كانت تحضر جميع القمم وتشارك فيها وتطرح خلالها المبادرات وتلعب خلالها أدوار الوساطة، ثنائيات وجماعات. وغالباً ما شملت الوساطات دولا تخاصم الرياض علناً وتناكدها سراً. ويروي الوزير محمد بن عيسى أنه كان مع مجموعة من الوزراء في ردهة إحدى القمم عندما مرَّ بهم الملك عبد الله بن عبد العزيز، فتوقف وقال لهم: «اذهبوا الآن وحلوا موضوع الخصومة (الفلانية). لا أعرف كيف. لكن يجب ألا تنتهي القمة وهذا الخصام قائم لأنه يسمم الجو العربي بأكمله».

وكان أول المفاجئين في المجموعة، وزير البلد الذي يناكف المملكة.

رفضت الرياض طوال عقود أن تستضيف قمة لا تخرج بإجماع عربي. ورفضت أن تستضيف قمة تعلو فيها الأصوات المتصارعة. ورفضت أن ترعى قمة لا تضمن سلفاً نتائجها على قضية التضامن العربي والمصالحة العربية التامة، من موريتانيا إلى رام الله. وربما كانت هذه هي الروحية الإلزامية التي يجب أن تسود في القمة، حتى لو استحالت في المراحل الأخرى.

لذا كان الأنسب صدور فتوى تلزم القادة العرب ليس بالحضور وإنما بعقد المصالحات الكبرى وصيانة الدول الآيلة إلى التفكك ووقف حروب العرب السرية وإرغام الفلسطينيين على إعادة لحمة الأرض التي مزقوا منها ما نجا من الاغتصاب والقهر والتنكيل.

على أن الذي حدث في دمشق، على أرفع المستويات الدينية والسياسية، كان صدور استدعاءات أو استنابات قضائية لا دعوة إلى ضيافة. فالفتوى التي أصدرها الدكتور حسون تعامل القادة العرب على أنهم تلاميذ مدرسة في حاجة إلى تقرير طبي، والدعوة التي أصدرها الاستاذ فاروق الشرع تعاملهم كمتهمين يجب مثولهم. ولا يليق ذلك بالضيوف ولا بأصول الضيافة.