«مغامرات» إيران في المنطقة لن تنجح!

TT

صدر حديثاً في أميركا كتاب «السلام وليس الإرهاب»، لـ«ماري سوزانا روبنز» يتضمن دراسات كتبها خبراء ومختصون عن المنطقة. بين المساهمين في الكتاب البروفسور منصور فرهنغ الذي كان أول سفير للجمهورية الإسلامية الإيرانية في الأمم المتحدة، وبعد فشل كل جهوده لإطلاق رهائن السفارة الأميركية في طهران استقال احتجاجاً، وعاد إلى إيران لينضم إلى مجموعة مهدي بازركان (أول رئيس للوزراء في إيران الإسلامية) وأبو الحسن بني صدر (رئيس الجمهورية السابق). بازركان توفي، وبني صدر صار لاجئاً في فرنسا، وفرهنغ اختبأ ثم هرب إلى تركيا، ومن ثم استقر في الولايات المتحدة حيث يصدر الكتب ويدرّس التاريخ والعلاقات الدولية في كلية بينينغتون. يتذكر فرهنغ الطموحات الإقليمية لآية الله الخميني التي كانت قائمة على تجربته في إيران، واعتقد بأن ثورته الإيرانية يمكن ان تنتقل إلى شيعة العراق وهو كان هاجسه، «لم تكن طموحاته تعتمد على عمليات عسكرية، بل اعتقد بأنه عبر الدعاية بإمكانه إيصال النفوذ الإيراني إلى العراق لأنه يعرف البلد ولديه عدة أصدقاء، وبعد ذلك إلى العالمين العربي والإسلامي». ولا يعتقد فرهنغ بأنه كان لدى الخميني أي استراتيجية، ويعطي مثلاً على ذلك: عندما بدأت الحرب العراقية ـ الإيرانية في 20 أيلول (سبتمبر) 1980 واجتاحت القوات العراقية إيران، أصدر الخميني فتوى إلى الشعب العراقي، لكن يُفهم من محتوى الفتوى أنها موجهة إلى شيعة العراق، واعتقد بأنهم سيثورون ضد الحرب، لكن شيئاً من هذا لم يحدث. فأصدر فتوى أخرى، وشبّه صدام حسين بيزيد والطغاة واستعمل العبارات التي اعتاد استعمالها ضد الشاه، أيضا لم يحدث شيء.

وعندما أراد إصدار فتوى ثالثة، توجه إليه آنذاك الرئيس أبو الحسن بني صدر وقال له: لقد أصدرت بيانين ولم يتحرك أحد، وهذا يقلل من صدقيتك وقيمتك في المنطقة، فلماذا الثالث، وكان رد الخميني عن الشعب العراقي: «إنهم من الكوفة على كل حال»!

ومع هذه الحادثة التي رواها لفرهنغ بني صدر نفسه، يتذكر أمرا آخر وهو لقاء الخميني بمراسل ألماني جاءه إلى «نوفل لوشاتو» في فرنسا، فسأله المراسل: إن الإيرانيين يقولون «الخليج الفارسي» والعرب يسمونه «الخليج العربي»، فكيف ستحلون المشكلة؟ أجاب الخميني: يمكن تسميته «الخليج الإسلامي»، لكنه، عندما تسلم السلطة ذكّره أحدهم بالأمر فقال: ليذهب العرب إلى الجحيم!. ويقول فرهنغ: «يمكن القول إن الخميني كان الأكثر كرهاً للعرب في الخمسمائة سنة الأخيرة».

وأخبرت فرهنغ أنني عندما أجريت مقابلة مع الخميني في «نوفل لوشاتو» رفض أن يتحدث معي بالعربية، وتولى الترجمة حفيده مصطفى الذي توفي لاحقاً بشكل غامض. فيقول: «كان متعصباً. لقد أراد عدد من القادة العرب المجيء إلى «نوفل لوشاتو» ومن بينهم العقيد القذافي، لكنه رفض استقبالهم. والزعيم العربي الوحيد الذي قابله كان ياسر عرفات لأنه لم تكن لديه اي سلطة». ويضيف: «لقد جاء 12 رئيسا عربيا في بدء الحرب العراقية ـ الإيرانية إلى طهران للتوسط لوقف الحرب، لكن الخميني رفض لقاء أي واحد منه».

وأسأل فرهنغ: هل إن لأحمدي نجاد الرئيس الإيراني فكراً استراتيجياً؟ يقول: «إنه يوجه كلماته إلى الشعوب العربية، وصار الأكثر شعبية في الشرق الأوسط، ليس لأنه فعل شيئاً، إنما لأنه استجاب لخيبة أمل الناس، وقد لا يؤدي هذا إلى شيء». ويضيف: «ان احمدي نجاد يتسلح بالبرنامج النووي الإيراني ويراه قوة محتملة يمكن استغلالها. ان كل دولة قادرة على تخصيب اليورانيوم لتزويد المفاعلات يمكنها لاحقاً تخصيبه إلى مستوى صنع القنبلة، ويعي احمدي نجاد احتمالات هذه القوة المستقبلية. وفي هذا لا فرق بين سياسته وسياسة الشاه. وهو قال لمستشاريه في المجال النووي: إننا لا نريد تصنيع القنبلة في المستقبل القريب إنما علينا امتلاك القدرة إذا ما اضطررنا إلى ذلك. وهذا ما يفكر به كافة الساسة الإيرانيين».

من هنا يستبعد فرهنغ أن يشن الرئيس الاميركي جورج دبليو بوش حرباً على إيران، لأن قدرة إيران على صنع القنبلة النووية لم تكتمل، فهي تحتاج إلى فترة تتراوح ما بين 5 و8 سنوات، بمعنى ان الضرورة غير ملحة. ويقول: «يمكن للسلاح البحري والجوي الاميركي توجيه ضربة إلى إيران، لكن أميركا تعرف ان إيران سترد على أهداف أميركية في المنطقة، وقد تقصف دولاً مقربة من أميركا مثل البحرين وقطر».

أما عن الرئيس الأميركي المقبل واحتمال تحرره من التزامات بوش، واعتماد لهجة خطابية مخففة مع إيران، فيقول فرهنغ «إذا جاء جون ماكين فسوف نشهد تصعيداً للسياسة التي يعتمدها الرئيس بوش. لكن الوضع سيختلف إذا ما جاء باراك أوباما أو هيلاري كلينتون». ويضيف: «سأذكر لك المحاولات التي قام بها الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون، وهنا تكمن مأساة العلاقات الإيرانية ـ الاميركية، ففي عام 1999 اعتذرت وزيرة الخارجية الاميركية آنذاك مادلين أولبرايت علناً عن انقلاب 1953 الذي أطاح مصدّق، ودعت إيران إلى فتح حوار مع اميركا. في ذلك الوقت كان الرئيس الإيراني محمد خاتمي متشوقاً للاستجابة للانفتاح الاميركي، لكن هاشمي رفسنجاني وآية الله علي خامنئي رفضا السماح لخاتمي بتحقيق مكسب بدء الحوار مع اميركا، وكان هو يستعد لحملته الانتخابية لفترة ثانية من رئاسته. لقد أعماهما الحسد منه وحالا دون السماح له بإجراء مفاوضات، في وقت توجه الرئيس كلينتون إلى الأمم المتحدة واستمع إلى خطاب خاتمي، وكانت الإدارة مستعدة للبحث مع إيران في كل المشاكل العالقة بينهما، وليس فقط البرنامج النووي. لكن عندما ضعف خاتمي وانتهى عام 2003، تقدمت إيران بنفس الاقتراح الذي كان قدمه لها كلينتون، لكن كان الرئيس بوش سابحاً في غلوائه بعدما أطاح «طالبان» في افغانستان وصدام حسين في العراق، فرفض التفاوض، لا بل قال: «إن إيران هدفنا المقبل».

ويضيف البروفسور فرهنغ: لذلك إذا ما جاء أوباما أو كلينتون، وقدما اقتراحاً لإيران فاعتقد انها ستتجاوب هذه المرة، لأن ذلك سيكون من مصلحة النظام. ويؤكد ان القيادة الإيرانية موحدة في موقفها الآن تجاه هذا الأمر، اذ قال خامنئي: «إن خلافنا مع الولايات المتحدة ليس دائماً، إنما لم يحن الوقت بعد». ويقول البروفسور فرهنغ: «لمدة 25 سنة كانت إيران واميركا بمثابة زوجين، وكان زواجهما سيئاً انتهى بطلاق بشع، وما زلنا ننتظر التسوية».

وحسب فرهنغ فإن إيران تريد تطبيع العلاقة مع اميركا إذا اعترف بها كلاعب مميز في أمن الخليج، ولا تريد تطبيع العلاقة على أساس الانصياع للطلبات الاميركية، «إن ايران تستمتع بأنها الدولة الوحيدة التي تتحدى الهيمنة الاميركية في الشرق الأوسط، وإذا كانت واشنطن مستعدة للتعامل معها كلاعبة وليس كدولة «زبون» كما في زمن الشاه، فإنها تقبل بذلك». ويضيف: «بغض النظر عن موقفنا من النظام القائم، فإن إيران قلقة أمنياً، إذ انها تعتقد بأن اميركا تريد تغيير النظام كي يكون على رأسه من يناسب النفوذ الاميركي في المنطقة. واذا نظرنا الى الخريطة الآن نرى ايران محاطة بالوجود العسكري الاميركي».

ويعرج البروفسور فرهنغ على ايران الداخل حيث تبرز طبقة اقتصادية سياسية جديدة النخبة فيها من «الحرس الثوري» و«الباسيج»، ويعتقد بأنه بعد حوالي 5 إلى 10 سنوات ستهمّش هذه الطبقة دور رجال الدين. ففي أول برلمان للجمهورية الإسلامية كان هناك 150 رجل دين كنواب، الآن لا يوجد أكثر من ستة».

ومن داخل إيران إلى سورية حيث يرى فرهنغ ان دمشق هي المستفيدة، مع العلم انه عبرها تساعد إيران «حماس» و«حزب الله». ويذكّرني بما قاله يوماً رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أرييل شارون: انه يحب العملية السياسية كثيراً الى درجة يريدها ان تستمر ألف سنة. ويقول: ان هذا الشعور ينطبق على احمدي نجاد، لأن حل الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي يحرم إيران من أهم حجج تدخلها في المنطقة.

ولماذا تستمر إيران في دعم «حزب الله» مع إمكانية تعريض لبنان لحرب إسرائيلية؟ يقول البروفسور فرهنغ: «إن تدمير لبنان سيزيد من تعميق الغضب العربي، وهذا النوع من التوتر يساعد النظام الإيراني على مواجهة الجهود الاميركية لتحريك العالم العربي ضده. إن النظام الإيراني غير معني بمصالح المجتمع اللبناني، ولا اعتقد بأن مصير الفرد اللبناني يدخل في الصورة عندما يتخذ القادة الايرانيون قراراتهم».

وحسب البروفسور فرهنغ فإن «مغامرات» ايران في المنطقة ستفشل، وعلى المدى الطويل من المستحيل ان تنجح إيران في إخضاع العراق لها. هذا النوع من التوسع حصل مع الناصرية، فعندما وصل جمال عبد الناصر إلى اليمن بدأ العد العكسي لنفوذه. ويقول فرهنغ في النهاية: «إن ما تفعله ايران والصراعات التي تؤججها لا تساهم في أمن ومصلحة الشعوب بل تقلص الشروط الضرورية لتقديم صورة حسنة عن إيران. وإذا أردنا ان نعرف مستقبل النظام الإيراني، فعلينا مراقبة الوضع داخل إيران. أما خارج إيران، فان كل ما يجري هو مؤقت وتكتيكي ولا يقدم شيئاً للمصحلة الإيرانية العليا».