كلاكيت عاشر مرة

TT

ليس هناك مشهد من البؤس والحزن أكثر من مشهد الحصار الإسرائيلي الإجرامي على المواطنين الفلسطينيين في قطاع عزة، اللهم إلا مشاهد الخلافات الشديدة بين حركة حماس ومنظمة التحرير الفلسطينية «فتح»، والتي تحولت إلى مشاهد ساخرة ومثيرة للشفقة بشكل غير معقول. ولعل ما حدث أخيرا في العاصمة اليمنية صنعاء والمبادرة الرئاسية لإصلاح ذات البين بين الطرفين توج بالتوقيع على اتفاق صلح وتعاون بينهما، ولكن قبل أن يجف الحبر على الورق تطايرت الاتهامات والادعاءات ذات اليمين وذات الشمال، واتضح أن «حماس»، ومندوبيها، لم تكن تستطيع اتخاذ أي قرار قبل الحصول على الأضواء الخضراء من مرجعياتها في الداخل الفلسطيني وفي الخارج (وما أدراك ما الخارج!)، أما «فتح» فكانت الأعذار أشبه بفيلم كوميدي وسجال هزلي بين بعض المسؤولين فيها وأسباب لا يقبلها أي عاقل. كيف يرسل مندوب «غير مكلف» وليست لديه الصلاحيات «المناسبة» للتفاوض والتوقيع، ويلجأ إلى وسائل اتصال «بدائية» تعود لعشرين سنة للوراء في مشهد لا يليق بلقاء على هذا المستوى والمنتظر من العرب والفلسطينيين على حد سواء.

الفلسطينيون لا يزالون أكبر عدو لقضيتهم، وليس ما يحدث بين «فتح»

و«حماس» اليوم بغريب عما حدث البارحة بين الأصدقاء الأعداء، تلك المواقف التي ولدت «أبو موسى» و«أبو نضال» و«أبو العباس» وغيرهم من الفرق والأطراف التي استغلتها واخترقتها الاستخبارات العربية الثورية وغيرها، وولدت مناخا غير سوي لا يمكن أن تستقيم من خلاله الأمور سواء أكان لأجل المقاومة أم لأجل السلام. جرائم إسرائيل البشعة التي يرتكبها المستوطنون والعسكريون معروفة للجميع، وتلقى التغطية والنقد المطلوبين، إلا أن الجريمة التي يرتكبها الفلسطينيون بحق أنفسهم لا تزال موضوعا لا يلقى النقاش والجرأة الكافية لفك طلاسمه، والحديث فيه بجرأة ووضوح. طالما استمر هذا الوضع سيسقط اتفاق اليمن الأخير كما سقط قبله اتفاق مكة المكرمة، والذي أقسم فيه كل الفرقاء على حقن الدماء ولكن شيئا من هذا لم يتم. لا يمكن أن يقنع العالم بجدارة القضية الفلسطينية وحق العيش بكرامة لأبناء فلسطين وبقدرة قادته على حفظ الاتفاقات والعهود (حتى لا يقعوا في مقارنة مباشرة مع الحكومة الإسرائيلية وقدرتها على عدم احترام أي اتفاقات أو ميثاق). المشهد الفلسطيني الأخير في صنعاء لم يعد من الممكن تناوله إلا بجانب غير قليل من التشكيك في جدية الفلسطينيين على احترامه، لأن الظاهر والواضح أن ما يحدث حتى الآن بين الفرقاء هو «هزل» سياسي وتقليل احترام شديد للقضية الفلسطينية، واستهتار بكل الوساطات والاتفاقيات. كم فلسطيني يجب أن يموت؟ وكم فلسطيني يجب أن يهاجر؟ وكم فلسطيني يجب أن يجوع؟ وكم فلسطيني يجب أن يستغيث، قبل أن يعي ويدرك القادة الفلسطينيون المتناحرون أن حياة مواطن واحد هي أهم من كراسيهم مجتمعة؟

[email protected]