لأن الحرب لم تعد «نزهة»

TT

قد يحتاج متابع خطب أمين عام حزب الله، السيد حسن نصر الله، إلى معجم يربط زمان الكلام ومكانه قبل أي محاولة منه لتفسير ذلك التفاوت الموسمي في نبرة خطبه.

ولكن من الإنصاف الاعتراف بأن كلام السيد نصر الله عن إسرائيل، خلافا لمواقفه اللبنانية الداخلية، لا يخلو من المنطق التحليلي ـ إن لم يكن أيضا من المعلومات ـ الأمر الذي يعطي تقديره لاحتمالات شن حرب إسرائيلية جديدة على لبنان مقدارا وافرا من المصداقية.

في تقدير السيد نصر الله أن «الحرب الإسرائيلية لم تعد نزهة وباتت مكلفة جدا»، كما قال في خطابه بمناسبة الذكرى الأربعين لاغتيال القيادي العسكري في حزب الله عماد مغنية.

لا يختلف لبنانيان على استنتاج السيد نصر الله بأن الحرب «لم تعد نزهة».. ولكنها إذا لم تعد نزهة بالنسبة للدولة الأقوى عسكريا (إسرائيل) فكيف تكون بالنسبة للدولة الأضعف (لبنان)؟

من حق المقتنعين بالحس القومي للسيد نصر الله وبحسن تقديره لمعطيات المرحلة ـ محليا وإقليميا ودوليا ـ أن يعتبروا استنتاجه بأن الحرب لم تعد نزهة تأكيدا ينسحب ـ بطبيعة الحال ـ على طرفي النزاع، الأمر الذي يسمح بتوقع «تأقلم» خطاب حزب الله مع هذا المعطى. وإذا وضع في إطارها الإقليمي طمأنة الحزب لأبناء الجنوب ـ المتهافتين على تحضير جوازاتهم للهجرة إلى الخارج ـ بأن ما يشيعه البعض عن استعدادات أميركية لشن حرب على إيران أو حرب إسرائيلية على سورية أو لبنان ليس صحيحا بل «جزء من حرب إعلامية ونفسية» تشن على اللبنانيين، فقد يصح الافتراض بأن «المؤثرات» الخارجية على قرار الحزب تبدو، هي أيضا، في وارد التهدئة.. مرحليا. وهذا الافتراض تعززه تأكيدات سورية المتكررة بأنها تسعى إلى تسوية دبلوماسية سلمية لنزاعها مع إسرائيل.

على ضوء هذه الخلفية هل يصح التوقع بأن يكون مكان «العقاب» الذي توعد به نصر الله إسرائيل قصاصا على اغتيالها عماد مغنية خارج ساحة المواجهة التقليدية بين الحزب وإسرائيل؟

كان يجوز ترجيح ذلك لولا ملاحظة السيد نصر الله بأن قرار الحرب الإسرائيلية لم يعد قرارا تستطيع القيادات العسكرية والسياسية الإسرائيلية أن تتخذه بسهولة «لأن في لبنان قوة المقاومة». فبعيدا عن أي تقليل من أهمية العامل الردعي «للمقاومة الإسلامية» في لبنان، من الخطورة بمكان الاستهانة بقدرة إسرائيل على شن حرب جديدة على لبنان، وخطابها الإعلامي ما زال يدعوها «لاستعادة هيبة» قواتها المسلحة التي هدرت في حرب عام 2006.

وفي هذا السياق قد تكون العبرة الداخلية التي استنتجتها إسرائيل من حرب العام 2006 أنها لم تعد تلك الدولة «الشابة» المستعدة للمخاطرة بوجودها للتوسع على حساب الغير. وربما كان التحول الديمغرافي الذي شهدته بعد انهيار الاتحاد السوفياتي أحد العوامل الضاغطة على قراراتها العسكرية. فإسرائيل اليوم، من حيث تركيبتها السكانية، دولة «روسية» بنسبة 20 بالمائة. ومهاجر التسعينات الروسي إلى إسرائيل يختلف تماما عن مهاجر الأربعينات والخمسينات والستينات من القرن الماضي؛ ففيما كان العامل الصهيوني الآيديولوجي من أبرز دوافع المهاجرين الأوائل إلى «أرض الميعاد» كان المهاجر الروسي مهاجرا «اقتصاديا» بامتياز، جاء ليعوض ما افتقده من بحبوحة شخصية في ظل النظام الشيوعي، وحط رحاله في دولة لم تعد ـ في ذهنه ـ معرضة لخطر الزوال، وحروبها لم تعد «دفاعية» كما تدعي. وقد يفسر هذا الشعور رفض العديد من المجندين الإسرائيليين عبور الحدود مع لبنان في حرب العام 2006.

أما في لبنان، وبعد أن باتت هموم اللبنانيين تنحصر في أمنهم ولقمة عيشهم، أصبحت أي «نزهة» حربية جديدة كارثة قد لا يخرج الوطن سالما منها. من هنا أهمية تطمينات السيد نصر الله.. ولكن هذه التطمينات كانت تلقى قبولا أفضل من اللبنانيين لولا تجربة العام 2006 التي وعد السيد نصر الله اللبنانيين خلالها بصيف هادئ وموسم سياحي مزدهر ليفاجأهم بخطف الجنديين الإسرائيليين اللذين أعطيا آلة الحرب الإسرائيلية ذريعة كانت تنقصها لشن عدوانها الشهير على لبنان.