إنجازات بوتين والمنتظر من ميدفيديف

TT

بينما يستعد ديمتري ميدفيديف لتولي منصب رئيس روسيا يرفض المحللون ولايته الوشيكة باعتبارها «امتدادا لعهد بوتين».

وللوهلة الأولى يبدو كما لو أن المحللين قد يكونون على حق. فميدفيديف، على أية حال، لم يكن له أن يكون حيث هو اليوم لو انه لم يكن قد اختير ليكون خليفة تحت رعاية بوتين.

ومع ذلك فانه من الخطأ الافتراض بأن رئاسة ميدفيديف لن تكون سوى دمية بوتين بابتسامة.

وابتداء فان ميدفيديف ليس بوتين.

كان بوتين نتاجا نموذجيا للعهد السوفياتي بينما توافقت سنوات تكوين ميدفيديف مع العهد ما بعد السوفياتي.

وقد نشأ بوتين على ثقافة أكدت سرية الحزب والاستبداد ورهاب الأجانب والشك والمبادرة الفردية. ومن ناحية أخرى نشأ ميدفيديف في مجتمع يتناوب الآمال المبالغ فيها والشك الذاتي المبالغ فيه.. مجتمع كان يحتفي بالمبادرة الفردية ويتملق العالم الخارجي وخصوصا الغرب.

كما أن بوتين وميدفيديف يختلفان في المسارات الشخصية. فالأول وصل إلى السلطة عبر القنوات الخلفية إذا جاز التعبير.

وكموظف شاب في المخابرات السوفياتية (كي جي بي) شهد بوتين انحدار وسقوط الإمبراطورية التي أقسم على حمايتها.

ومن الناحية الأخرى وجد ميدفيديف طريقه على السلم في السوق، عبر تعلم كيفية الحصول على المال بدلا من جمع الأوسمة.

وفي إطار رؤية بوتين للعالم فان ماكنة الدولة هي التي تحدد الوضع.

غير أنه بالنسبة للاقتصادي ميدفيديف يعتبر السوق هاما مثل الدولة في تحديد الأجندة الوطنية.

ومن الطبيعي أنه من المحتمل أن تكون لدى بوتين وميدفيديف اتفاقية سرية يستقيل بموجبها الأخير كرئيس في غضون ستة أشهر مما يسمح للأول بالعودة إلى الكرملين لولاية ثالثة. ومن المحتمل أيضا أن يواصل بوتين، الواثق تقريبا من تسميته كرئيس للوزراء، إمساكه بالسلطة الفعلية.

غير أن نظرة متفحصة للمشهد الروسي يمكن أن تظهر أن مثل هذه الصفقات، حتى إذا وجدت، لا يمكن أن تنجز بالسهولة التي يتضمنها مفهومها.

وكشفت حملة الانتخابات الرئاسية، على الرغم من تنسيقها الدقيق، عن أن ميدفيديف يستمتع بالأضواء ويتوق إلى السلطة التي يأمل الاستيلاء عليها.

وهناك سبب أضافي يشير إلى أنه من غير المحتمل أن تصبح رئاسة ميدفيديف نسخة من رئاسة بوتين. فقد أفلح بوتين في ما تعين عليه القيام به، أي استعادة النظام وإعادة بناء البيروقراطية وكبح جماح الأوليغاركيين وتقليم أظافر «رأسماليي الغابة».

وبكلمات أخرى فان ميدفيديف لا يحتاج إلى القيام بما قام به بوتين. وبدلا من ذلك سيتعين عليه أن يعالج حاجات روسيا الجديدة، وهي الحاجات التي برزت بسبب أن بوتين أفلح في التعامل معها إلى جانب المشكلات الأخرى الملحة.

وفي قمة القائمة العجز الديمقراطي الذي عانت منه روسيا منذ أن غادر بوريس يلتسين المسرح تحت غيمة من الفساد والكحول والفضائح.

والتاريخ مليء بأمثلة على مجتمعات أقامت دولا تتمتع بالنظام بل وحققت مستوى من التصنيع بفضل فترة حكم الاستبداد.

فقد خلقت قبضة بسمارك الحديدية ألمانيا الموحدة في ستينات وسبعينات القرن التاسع عشر، بل وقدمت دولة الرفاهية الأولى. ووقف الشوغان على رأس التصنيع في اليابان في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.

حاول موسوليني إضفاء شرعية على نظامه الفاشي بادعائه أنه نجح في جعل القطارات الإيطالية مضبوطة في مواعيدها. وحقق الاتحاد السوفياتي تحت ظل حكم ستالين قفزة رئيسية باتجاه التصنيع وفي وقت لاحق غزا الفضاء. وسعى هتلر إلى شرعية من خلال تشييد طرق سريعة تستخدمها قواته في طوابير عرضها.

شهدنا قبل فترة أنظمة شمولية تحول دولا مثل كوريا الشمالية وتايوان من مجتمعات فلاحية إلى دول صناعية حديثة.

ولكن ثبت في غالبية الحالات أن إنجازات الدولة الشمولية لا تتسم بالاستمرارية والثبات. التنمية المتوازنة والمستمرة كانت ممكنة فقط في ظل نجاح الدولة في تصحيح نقص الديمقراطية.

إذا حاولنا الحكم عليه من خلال تصريحاته، فإن ميدفيديف يفهم حقيقة مهمة واحدة لم يفهمها بوتين؛ وهي أنه من غير الممكن بناء اقتصاد رأسمالي حديث بدون وجود إطار سياسي ديمقراطي.

الإنجازات الاقتصادية الروسية تحت ظل حكم بوتين أكثر هشاشة مقارنة الإنجازات الاقتصادية تحت ظل الأنظمة الشمولية في كوريا الجنوبية وتايوان قبل سنوات.

الازدهار الجديد في روسيا يعود بالدرجة الأولى إلى عائداتها من صادرات الطاقة. جملة الإنتاج الصناعي لروسيا يساوي أقل من 15 في المائة من الإنتاج الصناعي لهولندا. كما أن الوضع أكثر سوءا في قطاعات الخدمات، التي تعتبر المحرك الحقيقي لاقتصاد ما بعد الحقبة الصناعية الحديثة. لم تنجح روسيا بعد في إقامة مصرف يمكن الوثوق فيه، ولا بالطبع قطاع مالي بنفس الصفة.

يدرك ميدفيديف كل ذلك وسيحاول إيجاد الأوضاع اللازمة لخلق تنمية اقتصادية متوازنة ومستمرة وتنويع في المجال الصناعي. لكنه كي يفعل سيكتشف بالتأكيد أن روسيا في حاجة إلى إن تتحول إلى مجتمع مفتوح قائم على أساس حكم القانون في إطار حكومة قائمة على ركيزة نظام تمثيلي.

ربما يجد ميدفيديف نفسه في حاجة إلى النأي بنفسه عن مناورات السلطة التي يتبعها بوتين مثل زعزعة الاستقرار في جورجيا وأوكرانيا وجمهوريات البلطيق وبيلاروس على أمل إظهار قوة روسيا. يجب على ميديفيف أيضا أن يأخذ في الاعتبار حقيقة أن الدخول في عراك مع الاتحاد الأوروبي حول كوسوفو ومع الولايات المتحدة حول الدرع المضاد للصواريخ في بولندا والجمهورية التشيكية لا تعتبر سياسة خارجية جديرة بالثقة.

ربما يتخلى ميديفيديف تدريجيا عن بعض تكتيكات الحرب الباردة التي استخدمها بوتين، أو بالأحرى التي اضطر لاستخدامها، للتأكيد على ضرورة التعامل بصورة جادة مع روسيا.

قرار بوتين العام الماضي بتطبيق التزام روسيا بميثاق القوات التقليدية في أوروبا لم يفض إلى شيء سوى إثارة الشكوك تجاه روسيا في مختلف دول الاتحاد الأوروبي. لا أحد يصدق أن روسيا تعتزم حشد دباباتها وصواريخها بغرض شن هجوم وشيك على الاتحاد الأوروبي. إلا أن الخطوة أظهرت أن بوتين كان يمارس لعبة قديمة كان يعتقد الكل أنها لم تعد مناسبة في الواقع الأوروبي الحديث.

سيكون أمرا إيجابيا إذا تجاهل ميدفيديف تهديد بوتين برفض تجديد ميثاق الحد من الأسلحة الاستراتيجية، الذي من المقرر أن تنتهي صلاحيته العام المقبل، إذ أن موت هذا الميثاق لا يعني سوى احتمال إثارة موجة من الفزع في أوروبا وآسيا والشرق الأوسط وسيثير سباق تسلح جديدا لا تستطيع روسيا الانتصار فيه.

يجب على ميدفيديف إثبات أنه مستقل برأيه. وإذا فعل ذلك ستنجح روسيا في تعزيز النجاحات التي حققها بوتين، وهذه ستكون بمثابة أخبار سارة للكل.