قمة عربية على «الطريقة السورية»

TT

يسود اعتقاد جازم بأن قمة دمشق تلقت ضربة قاسمة على طريق الفشل بفعل التدني غير المسبوق للتمثيل السعودي في تاريخ القمم العربية، والغياب المعبّر للرئيس المصري مع التدني النسبي في تمثيل بلاده، اضافة الى مقاطعة لبنان وهو الذي تشكل قضيته جوهر المشكلة العربية ومفتاح حلها.

لكن هذا الاعتقاد يرتكز في حقيقته الى افتراض ان النظام السوري يقارب «القمة» من زاوية العمل العربي المشترك وفق رؤية عربية مشتركة، في حين ان واقع الممارسة السورية، يؤكد العكس ويبدو ذلك من خلال المؤشرات التالية:

1 ـ لم تبذل سوريا اي جهود حقيقية لانجاح المبادرة العربية حول لبنان، حيث كان يكفيها لانجاز تسوية تاريخية لبنانية سوريا والدخول في مصالحة عربية شاملة ان تنضم الى الاجماع اللبناني والعربي والدولي حول انتخاب العماد ميشال سليمان الذي عينته الادارة السورية قائدا للجيش اللبناني ومددت ولايته، وهو لم يذل موضع ثقتها وثقت حليفها حزب الله بسبب مواقفه الداعمة للمقاومة، كما أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري هو من طرحه شخصيا وباسم المعارضة كمرشح للحل التوافقي.

2 ـ منذ اشهر شنت وسائل الاعلام السورية وما زالت على اختلافها وخصوصا بعض المواقع الالكترونية الناطقة باسم النظام اعنف حملة قدح وذم ضد المملكة العربية السعودية ورموزها، فضلا عن تخوين محور الاعتدال العربي والحكومة اللبنانية والدعوة لاسقاطهم بعد نعتهم بعرب اميركا واسرائيل، في سابقة غير معهودة على امتداد تاريخ الاعلام العربي المعاصر.

3 ـ في غمرة المناورات والتهديدات الاسرائلية لسوريا ولبنان دفع الجيش السوري ثلاث فرق عسكرية الى الحدود مع لبنان، وقام بامداد بعض المراكز الفلسطينية العسكرية الموالية له داخل الاراضي اللبنانية، وهي مراكز تعتبرها الحكومة اللبنانية مصدر تهديد للشرعية وتتهمها بتجهيز وتسهيل بعض الاغتيالات والتفجيرات.

4 ـ لم تبد الادارة السورية حماسة للتوسط في الازمة الفلسطينية، بل اكتفت بموقف المتفرّج على تداعي البيت الفلسطيني الداخلي حتى لا نقول المشاركة في دعم موقف حماس بعد انقلابها في غزة. اما عراقيا فلم تسجل التحركات السورية الاخيرة اي دعم لجهود المصالحة التي ما كادت تطل برأسها من بغداد حتى انطلقت شرارة الفتنة في البصرة التي وصلت آخر فصولها الى قيام التيار الصدري الحليف لسوريا وايران بقصف مقر رئيس الوزراء العراقي، الذي يفترض ان يشارك في قمة دمشق.

5 ـ خالفت الادارة السورية العرف والمنطق في سياق دعوتها لحضور القمة العربية، ففي حين قام أمير قطر على سبيل المثال بزيارة تاريخية الى السعودية لإحلال مصالحة على خلفية اشكال اعلامي بين البلدين، وذلك لإنجاح القمة الخليجية في قطر، لوحظ ان الدعوة السورية الى المملكة العربية السعودية كانت أقل من المتوقع. أما بالنسبة الى لبنان فقد عمدت سوريا الى استغلال غياب رئيس حكومته خلال القمة الاسلامية لتوجه دعوة من رئيس وزرائها بوساطة نائب وزير لتسلمها الى وزير لبناني مستقيل لا يعترف هو نفسه بشرعية الحكومة التي وجهت الشقيقة سوريا الدعوة الى رئيسها. وقد عكست هذه الخطوة عدم اعتراف سوري بشرعية حكومة لبنان ودلت على رغبة واضحة في قطع الطريق على حضورها القمة.

كل هذا السياق من الخطوات السورية يدل بيقين لا يخالطه الشك، أن النظام في سوريا الذي كرس استراتجية المواجهة المباشرة مع عرب الاعتدال، واصفا اياهم بعرب الخيانة والامركة لا يريدهم في قمته، كما انه يثبت عند كل محطة ومنعطف الطلاق البائن معهم، استنادا الى تحالفه العضوي مع الجمهورية الاسلامية الايرانية التي وجه اليها دعوة ليست جديدة على القمة العربية ولا حتى على القمة الخليجية التي حضرها الرئيس الايراني، ولكنها دعوة مفصلية ستجعل ساحة دمشق في غياب السعودية ومصر مسرحا لحضور ايراني طاغ يترجم بالحضور المباشر وبالصوت السوري الرئيس. قمة من هذا النوع أهم ما في اعلانها الختامي لن يعلن وهو انفراط عقد الثلاثي السعودي المصري السوري، الذي شكل قلب النظام العربي في اعقاب حرب الخليج الثانية، قبل ان يظهر تصدعه بمقياس الزمن العربي مع اغنيال رفيق الحريري، فيما كان مقياس آخر يسجل وبتقدم كبير على رزنامة العرب اعلان الزمن الايراني كمؤشر وحيد على رسم استراتجية المواجهة في المنطقة التي خاضتها الجمهورية الاسلامية حاملة ورقة القدس بيد وحلفها مع سوريا الممتد من العراق الى لبنان، وصلا مع القدس باليد الاخرى. المشهد السابق يعيد ترتيب الاولويات على سوية مغايرة لما يتوهمه بعض العرب، ويرسم بحسابات محور المواجهة الاقليمي مقاربة سورية مختلفة. فبقدر ما تبدو سوريا فاشلة في حشد العرب لقمتها الاولى، بقدر ما نجحت الاستراتجية السورية الجديدة في تطويق القمة فكفلت طرح قضية الجولان وفلسطين والعراق ولبنان فيها على طريقتها وضمنت سنة كاملة من رئاسة القمة العربية تدير فيها دمشق الدفة أو تمنع ادارتها طبقا لنظام مصالحها، قمة سيغيب عنها صوت لبنان الذي تشكل أزمته عنوان المأزق السوري مع «العرب» والعالم. قمة يغادرها الثقل العربي الوازن ليحل اللاعب الايراني ضيفا من الوزن الثقيل، فيصح فيه القول عن حق وجدارة مستحقة:

يا ضيفنا لو زرتنا لوجدتنا

نحن الضيوف وأنت رب المنزل

* كاتب لبناني