اليمن.. بين مأزق القمة العربية ومصالحه الوطنية

TT

يتمتع الرئيس صالح برؤية مرنة براغماتيه، ولديه حس قوي وعبقري في إدراك مصالح اليمن، ولكن مراكز القوى المتأثرة بالايدولوجيا والتي يحسب لها صالح حسابا كبيرا لتحقيق الاستقرار الداخلي، غالبا ما تلعب دورا سلبيا في تحديد خيارات اليمن الخارجية وقد لعبت في السابق أدوارا أضرت بمصالح النظام والنخبة الحاكمة وبمصالح اليمن، وهذه المراكز غالبا ما تتنصل من مواقفها عندما يتضح لها فساد رؤيتها ونتائج قراراتها. وعلى الرغم من أن النخبة السياسية في اليمن تدرك بوضوح تام ان مصالح اليمن تكمن في الجزيرة العربية، وتدرك أن الرأي العام اليمني في أغلبه لديه حس سياسي ذكي ولديه قناعة تامة أن اليمن لن تحقق مصالحها وأمنها القومي إلا بعلاقات قوية وعميقة مع دول مجلس التعاون الخليجي. إلا أن اليمن تواجه مشكلة كبيرة عند تحديد خياراتها الخارجية، فغالبا ما يستجيب صانع القرار للقوى القومية التقليدية والقوى الإسلاموية، واللتين تنطلقان في العادة من تفسيرات عاطفية وحماسية للأحداث، وتحكم رؤيتهم استراتيجية مؤدلجة لا تفقه حسابات السياسة، واستجابة الرئيس صالح لهذه القوى عادة هو خدمة للتوافق الداخلي، لأن هذه القوى في حالة عدم الاستجابة لرؤيتها ولو بالحد الأدنى فإنها تعمل على تعبئة الجماهير في بيئة متأثرة حتى العمق بالعاطفة الإسلامية والقومية وفق المنظور المؤدلج.

وهنا يمكن القول بإمكانية تبرير الأخطاء التي حدثت في الماضي، ولكن الظرف التاريخي الراهن يفرض على صانع القرار اليمني ان يتعلم من أخطائه ويستفيد من تجاربه السابقة، وان يتخذ قراره الخارجي بمعزل عن رؤية النخب المتطرفة وان تكون مصالح اليمن لها الأولوية والزمن كفيل بتعليم ومحاصرة المؤدلجين. لذلك نؤكد أن موقف اليمن من القمة القادمة لابد ان يستند إلى استراتيجية عقلانية منسجمة مع المصالح اليمنية ومصالح الأمة العربية. والمتابع سيلاحظ أن الموقف اليمني العقلاني أصبح هو الصوت المهيمن على خيارات اليمن الخارجية ففي تصريحات واضحة للرئيس علي صالح في الأيام الماضية أثناء زيارته لألمانيا أكد الرئيس صالح على ضرورة الضغط على سوريا للاستجابة للمبادرة العربية بحل المشكلة اللبنانية، وهذه الإشارة القوية والواضحة لابد ان تسير في اتجاه الضغط على دمشق في بقية القضايا الأخرى المؤثرة على المصالح العربية. ولتحقيق ذلك فان موقف الدول العربية ومنها اليمن بحاجة إلى تجاوز المنظور الإيديولوجي والعاطفة العمياء في التعامل مع القمة القادمة في دمشق، فالمؤشرات الواقعية تؤكد أن القمة القادمة ستكون ميتة ولا فائدة ترجى منها، بل ان نتائجها ستكون سلبية على العمل العربي في المراحل القادمة، والتي تتطلب اصطفافا عربيا لمواجهة التحديات والمخاطر.

وفشل القمة يعود إلى سوريا فمن الواضح أن سوريا في الراهن تتحرك بوحي من مصالح النخبة الحاكمة لا مصالح الشعب السوري ومصالح الأمة العربية، كما أن النخبة مازالت متأثرة برؤية أيديولوجية قوموية مخادعة، ممتزجة بنزوع طائفي، فالفكر القومي وشعاراته المرفوعة من قبل النخبة الحاكمة السورية وظيفته تبرير شرعية نخبة طائفية غارقة في استراتيجية دينية يحدد معالمها الولي الفقيه في طهران. وهي استراتيجية تخدم مصالح إيران وتتناقض مع أمن العرب القومي، وفي جوهرها مناهضة للعرب جميعا. لذا نقول بالفم المليان انه كان الأجدر بالعرب مقاطعة القمة أو نقلها إلى القاهرة وأفضل الخيارات المتاحة في الوقت الراهن حفاظا على مصالح العرب ان يكون التمثيل في القمة على مستوى وزراء الخارجية حتى تدرك سوريا وإيران ان مصالح الأمة العربية لها الأولوية وان العرب لن يكونوا بيادق بيد إيران وان شعارات مواجهة إسرائيل وتحقيق امن المنطقة العربية لن يصنع لا في واشنطن ولا في طهران بل في العواصم العربية.

الجدير بالذكر ان هناك بعض القوى الساذجة في الساحة العربية متعاطفة مع المحور السوري الإيراني انطلاقا من ضرورة مواجهة الغرب وإسرائيل، وهذا التعاطف غير المدروس والمتحيز لشعارت المحور السوري الإيراني لا يستند إلى دراسة عقلانية بل هو موقف ناتج عن غباء استراتيجي في تحديد مصالحنا وهذا التعاطف افقد العرب القدرة على بناء استراتيجية واضحة لمواجهة أعدائنا. وعودة إلى الموقف اليمني من القمة نؤكد بقوة وحزم أن مصالح اليمن لا تكمن في سوريا ولا في إيران بل مصالحنا في جزيرة العرب وفي السعي من أجل موقف عربي موحد للضغط على سوريا ومحاصرة إيران من اختراقها للأمن العربي.

ومحاولة سوريا منح اليمن دورا في حل الصراع الفلسطيني ـ الفلسطيني الذي نسجته إيران وسوريا ليس إلا ذرا للرماد في العيون ومحاولة تقديم رشوة لا قيمة لها لليمن من أجل حضور القمة، ودفعها باتجاه تبني رؤية المحور السوري الإيراني للمنطقة، وهذه المحاولة الهزيلة لجر اليمن في اتجاه مناقض لمصالحه ومصالح العروبة لن ينطلي على قيادة وطنية قومية بحجم على عبد الله صالح. فالموقف اليمني العربي واضح وسياسات صالح العربية لن يزايد عليها أحد وان المسؤولية في المرحلة التاريخية الراهنة تجعله يسير باتجاه اتخاذ موقف حاسم من القمة بإرسال وزير الخارجية لان هذا الموقف يخدم مصالح اليمن ومصالح الامة العربية.

وهنا لابد من تذكير المخدوعين بإيران من القوى الوطنية ان المحور الإيراني السوري يلعب دورا خفيا في صراع الدولة اليمنية مع الحركات المتطرفة المتأثرة بالثورة الإيرانية والحركات الانفصالية التي لها علاقات خفية مع إيران، فهذه الحركات المتبنية لتقرير المصير في الجنوب محكومة بالاستراتيجية الإيرانية الساعية إلى تشتيت قوة العرب وإضعاف دولهم. وإيران تعمل جادة من أجل عزل اليمن عن الخليج، ولديها خطط غير معلنة برزت ملامحها بوضوح في صعدة على تحويل ما كان يسمى بالدولة الشمالية إلى منطقة نفوذ لمحاصرة عرب الخليج ومد نفوذها إلى القرن الإفريقي وهذا لن يتحقق إلا بالانفصال، والغريب في الأمر أن تتحول دمشق إلى ملتقى لعقد اللقاءات وتؤكد بعض الدوائر أن هناك تنسيقا بين القوى الداعمة للانفصال مع المخابرات الإيرانية عبر طرف يمني ثالث من شمال اليمن يرى ان دولة زيدية خالصة لن تكون إلا بالانفصال وربط شمال اليمن بالثورة الإيرانية.