عندما اعتقدت أنني العريس

TT

أنا شخصياً أفضل الخبز على الرز، مثلما أفضل الفتاة (القمحيّة) اللون، على الشقراء الذهبيّة، أو السمراء (الشوكلاتية)، أو الصفراء (الكركمية) ـ إن جاز التعبير ـ.

وتفضيلي الذي ذكرته لا يعني على الإطلاق أنني لا آكل الرز ـ أو (الأرز)، مثلما ينطقها الفصحاء ـ كما انه لا يعني كذلك على الإطلاق، أن لي (في كل عرس قرصاً)، وأنني مكلّف (بفرز) بنات العالم على أصابعي، وتحديد قيمهن الجمالية، لا أبداً، فهذا ليس من شأني ولا اختصاصي، لأنني بطبيعتي إنسان قنوع وزاهد و«على قدّ حالي»، ومعتزل للذائذ الدنيا، ومعجب ومطبق للمثل القائل: «الباب الذي يأتيك منه الريح سدّه واستريح» (وكبرّ المخدّة)، كما أن للناس أذواقهم (والنفس وما تشتهي) حتى ولو بصلة.

هذا هو الحاصل لي في حياتي الآن، حيث أنني أغلقت على نفسي جميع أبوابي، وتفوقت بذلك على (رهين المحبسين)، وأصبحت رهين خمسة محابس، أهم محبس منها هو (قلبي العليل الشاكي والباكي).

أعترف أنني شطحت، لأنني منذ البداية أردت أن أتحدث عن الرز، فأعماني ذكر البنات، وأخذت (أدبّك). المهم نعود إلى موضوعنا وأقول: إن هذا المحصول أو الغذاء يعتبر هو الأهم عند شعوب العالم، وعرب الجزيرة العربية لم يعرفوه طوال تاريخهم إلاّ في الزمن القريب، حيث أن بلادهم صحراء قاحلة ليس فيها أنهار، وهذا النبات يحتاج إلى أن يغرق بالماء.

وبعد رجوعي (للموسوعة) عرفت أنه اكتشف أو زرع قبل سبعة آلاف سنة.

ومن مزاياه انه من الممكن أن يؤكل ساخناً أو بارداً، كطبق رئيسي أو من المقبلات، يصلح أن يكون (شوربة) ـ أي حساء ـ أو يضاف له قليل من السكر فيصبح حلوى، بل أن بعض الشعوب الشرقية صنعت منه مسكراً.

وقد جربت في حياتي الطويلة العريضة أكثر طرائق تحضيره، فقد أكلته كـ(رزتو) في ايطاليا، و(كبائية) في إسبانيا، و(ككبسة) في السعودية، و(ككشري) في مصر، و(كمجدرة) في سوريا، و(كمنسف) في الأردن، أو مع (الربيان) الناشف في الكويت، و(كزربيان) مع الكثير من قرون الشطة في الهند.

الطريقة الوحيدة التي لم أهضمها ولم أطق أو أتشجع بتجريبها هي أكل الرز (بالسوشي) الياباني، لأنني من هذه الناحية جبان جداً، فلا أتصور أنني آكل رزاً ملفوفا بسمك نيئ لم يطبخ.

وأكثر ما كان يلفت نظري عندما كنت صغيراً، مشاركتي لبعض رجال البادية، عندما كنا متحلقين حول (صينية) كبيرة عليها خروف كامل، ومدحوة بالرز، وكان الواحد منهم يسعد ويتلذذ عندما يملأ يده بكومة هائلة من الرز، ثم يضغطها ويعفسها ويدردمها إلى أن تصبح بحجم (كرة التنس)، ثم يقذف بها عدّة مرات إلى الأعلى قبل أن تستقر في فمه.

حاولت منذ صغري تقليدهم وفشلت، وعندما كبرت حاولت تقليد أهل اليابان بأكل الرز بعيدانهم الساحرة وفشلت أيضاً، وما أكثر فشلاتي وخيباتي.

والذي دعاني لكتابة هذا الموضوع، أنني رجعت قبل نصف ساعة من تناول وجبة عشاء (سامجة ومالغة) عند أحد الأشخاص، وكان طوال أكلنا يردد ويقول بفخر: إن هذا من مطبخ (المعزبة) ـ يقصد زوجته ـ وكدت أتهور وأسأله: هل زوجتك من ذوات (الاحتياجات الخاصة)؟! هل هي معاقة؟! والحمد لله إنني في آخر لحظة لجمت لساني.

وفي العام الماضي، حضرت في لبنان زواج ابنة صديق، وفيما كنا خارجين من مكان الاحتفال، وإذا بالرز ينهال علينا من كل جانب، وبينما كنت أسير بجانب والد العروسة، وإذا بحبة رز تكاد تفقأ عيني، ولا أدري كيف عبرت من خلف نظارتي الأنيقة، والتفت إلى مصدرها، وإذا بفتاة (كيوت) تقول لي دون أن أسألها: والله مش أنا.

فابتسمت لكي أطمئنها قائلا لها: لا خذي راحتك يا حلوة، أكيد اعتقدت أنني العريس، فضحكت واكتشفت أن لها (غماّزة).

[email protected]