اختفاء ماجد إبراهيم

TT

أول قصة قصيرة كتبتها حينما كنت طالبا في الثانوية، وتجرأت على بعثها إلى أحد الملاحق الأدبية، وظللت انتظر نشرها أكثر من عام، ولكنها لم تنشر حتى تاريخ كتابة هذه السطور، رغم مرور نحو أربعة عقود على إرسالها، وقد ربطتني بمحرر الملحق بعد ذلك صداقة وزمالة وحبر وورق، وكنت أناقش معه مازحا نصي القصصي الذي لم يعد يتذكره، ولم يستطع أن يتخلص من تبعاته.. فالبدايات التي عاشها جيلي كانت تتسم بقدر كبير من الصعوبة، فوسيلة النشر الوحيدة هي الصحف، التي لم تكن تتجاوز أصابع اليد الواحدة، ولم يكن سهلا على المبتدئ الوصول إليها..

اليوم لم تعد الصحافة المركب الوحيد الذي يضطر المبدع إلى ركوبه للتواصل الإبداعي مع الآخرين، فلقد تعددت الوسائل وتنوعت، وفي مقدمتها «الإنترنت» ومنتدياتها، والأندية الأدبية، ودور النشر، فضلا عن كثرة المطبوعات، حتى أن عددا من الأدباء الشباب تجاوزت بداياتهم عقدة الصحافة إلى غيرها من الوسائل الحديثة، ومن هؤلاء شاب على مقاعد الدراسة الجامعية، تعرفت به قبل أعوام حينما وصلتني منه رسالة عاتبة على مقال كتبته لم يرق له.. كان كل سطر في تلك الرسالة يوحي أن كاتبها يجيد لعبة الكلمات، فهو صائغ حروف ماهر، ينسج عباراته على نحو مبتكر وفريد.. والتقيت به فازدادت قناعاتي بأنني أمام شاب متعدد المواهب، يكتب النص الحديث الذي يزاوج فيه بين الفنون الأدبية بمهارة فائقة.. ومن يومها وأنا أتابع إبداعات ذلك الشاب عبر مقالاته في منتديات «الإنترنت»، وفي مجلة «فواصل» أو حيثما يكتب، ولم يكن مفاجئا لي أن يأتي لزيارتي مساء الأربعاء الماضي يحمل باكورة إنتاجه كتابا أنيقا رشيقا عذبا، يحمل عنوان «اختفاء»، فتركته ورحت أقلب صفحات كتابه، وأنادم عباراته.. وعلى الغلاف الأخير جزء من نص يقول:

«اجتر روحي على رصيف بارد..

بيتك آخر الطريق..

يطرق قلبي ـ متعبا ـ نافذتك!

افتحي: ماجد..

ولا تفتحين!»

هذا الشاب المبدع هو ماجد إبراهيم.. تذكروا اسمه جيدا.. ستصلكم مراكب إبداعه اليوم، ولربما غدا.. فمثله لا يليق به سوى الوصول.

[email protected]