إلى متى؟

TT

خلود الظاهري اسم سيذكره الإماراتيون جيدا، فقد تم تعيينها منذ أيام أول قاضية في البلاد، ولتصبح ثاني قاضية تتبوأ هذا المنصب المهم في دول مجلس التعاون الخليجي، بعد أن سمح بذلك في البحرين. ويأتي هذا التطور اللافت بعد وصول المرأة لمناصب قيادية مؤثرة في السلطات الأخرى: التنفيذية والتشريعية وحتى الإعلامية، فهي وصلت للوزارة وللبرلمان ولدوائر الإعلام بجدارة واستحقاق. وملف المرأة في الخليج لا يزال ملفا شائكا ومليئا بالمخالفات الحقوقية، التي تحرم نصف المجتمع من حق العيش بكرامة وسوية، بسبب وقوع هذا «النصف» تحت سلطة المعتقدات الموروثة والأعراف القديمة، التي وصلت إلى مكانة المقدس وأصبح المساس بها والتعرض لها نوعا من الانتحار السياسي. عندما أقدمت دولة الكويت على إقامة دورة ألعاب رياضية نسائية، انهالت خطابات الاعتراض المنظمة بشكل هستيري محذرة من «فتنة عظيمة» و«دمار قريب»، إلى آخر الديباجات النارية المعدة سلفا لتأجيج عواطف الناس ومشاعرهم. الرياضة النسائية لا تزال تثير الأزمة تلو الأزمة بمجرد فتح الموضوع والحديث عن إمكانية فتح المجال لذلك. هذا على الرغم من وجود أزمة صحية هائلة لا يمكن إغفالها أو إنكارها، تتمثل في وجود مؤشر البدانة والسمنة بنسب غير مسبوقة، مسببة ارتفاع معدلات السكر والضغط وعلل القلب والكلى. والرياضة عامل إيجابي وفعال لتقليل آثار هذه المشكلة، ناهيك من وجود العشرات من الفتاوى الجاهزة من رجال الدين تجيز وتحث وتشجع وتدعم ممارسة المرأة للرياضة بشكل مقنن. العالم الإسلامي قدم رؤساء دول نساء في تركيا وبنغلاديش وباكستان وإندونيسيا وهي دول إسلامية بالغة الأهمية، وقدم العشرات من الوزيرات والقياديات التنفيذيات في مجالات شتى، وكن نموذجا ناجحا للمرأة السوية المساهمة في مجتمعاتها، ولم «تلحد» أو «تشرك» أو «تكفر» المجتمعات التي رشحتهن (وهن أتين بالانتخابات، أي باختيار الناس من دون فرض، ومعنى ذلك أن المجتمعات تدرك مصالحها وتسعى خلف ذلك).. أوليس هذه الدول مسلمة وتعبد نفس الخالق ولها نفس الكتاب المقدس؟

وهناك نظرة دونية بحق المرأة تكرس بشتى الطرق، سواء أكان ذلك بطرح فج ومباشر بسلب حقوقها بدعوى حمايتها أم بشكل غير مباشر يفترض فيها أن ليس لديها القدرة على فهم مصالحها وإدراك منافعها. مشاكل البطالة المتفاقمة في بعض المجتمعات الخليجية ستتحسن أرقامها بشكل ملموس لو فتحت المجالات لتوظيف المرأة بشكل حقيقي ومنحها إمكانية العطاء في الكثير من المواقع، التي يحجر عليها الوجود فيها لأسباب جاهلة ليس أكثر. من المهم التعاطي مع هذا الملف الحقوقي والاجتماعي من منظور إسلامي وديني، فالدين الإسلامي حتما منح المرأة حقوقا سلبت ولم تراع كحقوق الموافقة على الزواج، وحق الاختيار في التعليم والتوظيف، وحقها في مالها الموروث أو المكتسب، وحقها في حضانة أطفالها في حالات الطلاق أو الترمل، وكذلك حقوقها في الطلاق نفسه، ناهيك من حقوقها في العلم والعمل والمشاركة، كالترشيح والانتخاب عملا بمبدأ المشاركة في بيعة الرسول عليه الصلاة والسلام. خطوات متواضعة تلك التي اتخذت حتى اليوم بحق المرأة في دول مجلس التعاون الخليجي، مع ضرورة احترام أن هناك فارقا في بعض هذه الخطوات بين دولة وأخرى، إلا أن المشهد الحقوقي في حق المرأة يحتاج إلى إعادة نظر، والاستمرار في الدفاع المستميت عن عدم منح هذه الحقوق بحجج نابعة من رؤية شديدة القصور لا ينفي الغاية والضرورة الملحة لإنهاء هذا الوضع بحق المرأة. لقد آن للمرأة في الخليج العربي أن تحس بأنها مواطنة كاملة الأهلية، فمجتمع ينمو بنصفه سيكون مجتمعا ناقصا ومشوها.

[email protected]