رفقا باليمن وبمستقبله

TT

وأتعس الناس في الدنيا وأنكدهم

من يمتطي الليث أو من يحكم اليمنا

محمد أحمد منصور

ثلاثون عاماً شقي خلالها الرئيس علي عبد الله صالح بحكم اليمن وأسعده أنه أنجز ثلاثية أساسية سجلت في تاريخ اليمن المعاصر بأحرف من نور وهي: التنمية، الوحدة، الديمقراطية، وربما تأسست هذه قبل تبوّئه الكرسي الأول في الحكم ولم تترسخ بفعل عدم الاستقرار العام وقتذاك، إلا أنها ترسخت في ظل عهده.

ومصدر شقائه الأساسي إطلالة بعض قرون بين آونة وأخرى، تحاول مناطحة هذا البنيان المثلث بغية هدمه.

وطوال ثلاثة عقود بثبات وهدوء غالباً، وبقلق وتوتر أحياناً، يواجه هذه القرون بكلمات غاضبة تصدر عند عدم تقيده بخطاب مكتوب أو بروتوكول مرسوم.

ولا غرابة أن ثلاثة عقود لا تعني في عمر الشعوب وساستها شيئاً، إذا لم يدرك الشعب وساسته حجم المنجز خلالها بإنصاف وموضوعية. (من واقع المتابعة يتبين أن الإنصاف جريمة في عرف بعض الساسة فلا يقبلون إلا نظرتهم هم سواء كانت تفاؤلية أو تشاؤمية، تلتقي والواقع أو نفترق وإياه:

«ولم تزل قلة الإنصاف قاطعة

بين الرجال ولو كانوا ذوي رحمِ»

ولا عجب أن ثلاثة عقود شهدت صراعات كبرى لا تزال تجر أذيالها التي لا ترى، وتسحب نفسها على كل خطاب، أكان فعلاً أم رداً لفعل!

والخطاب السياسي للرئيس علي عبد الله صالح الى مهرجان الحسينية الرياضي، والذي دعا فيه ـ بعفويته ـ مخالفي الواقع الى إلقاء أنفسهم، والشرب من أي من البحرين المحيطين باليمن، جاء رد فعل على خطأ سياسي مضاد من أحزاب المعارضة يصور السلطة عدوة للشعب، وكأن هذه الفئات السلبية ستضيف رصيداً ايجابياً الى حساب أحزاب المعارضة، أو أن عفوية رد الرئيس الهجومي ستضيف، شيئاً. وليس أي منهما ملوماً على ما قاله، فالكل وطني ويخاف على الوطن، ولكن بطريقته السياسية الخاصة!

وبذلك يبدو الجو السياسي اليمني مشحوناً، وبحاجة الى التنقية المشتركة من جميع الأطراف المعنية في اليمن، إذ لا يحالف التوفيق من يبادر الى ذلك من طرف واحد فقط فيما يحاول الآخر افشاله.

والألغام النفسية المزروعة بفعل الظروف المعيشية الصعبة آيلة للانفجار في اي لحظة إذا لم تسيرها قيادة واعية أو موحدة، وهذه مشكلة أخطر.

وهنا، لا يتحمل رئيس اليمن وحده مسؤولية اي تدهور محتمل أو واقع، بل تشترك معه جميع القوى السياسية التي تقاعست عن أداء دورها الوطني، مستسلمة للإحباط والإبعاد الذاتي أو المقصود، ولم تتحمل مسؤوليتها كما يجب خلال العقد الثالث من حكمه.

والوضع اليمني اليوم لا يتقبل مكايدات ومماحكات من نوع: «إذا قلت نشرب فلن نشرب، أو نفعل فلن نفعل»!

حاجة اليمن اليوم الى «لقاء وطني مشترك» على «أساس وطني دائم» أهم من حاجة بعض الأطراف فيه الى «اللقاء المشترك» على «أساس انتهازي مؤقت»، وإن كان الإصلاحي اليمني أخاً للاشتراكي اليمني كما يتآخى المؤتمري والبعثي والناصري على أساس من اليمنية الجامعة المشتركة بينهم، رغم تناقض المرجعيات الفكرية والثقافية والتي يقود اختلافها الجذري الى فراق محتم ما دام الأساس غير متين.

نعم، حاجة اليمن الى مراجعة هادئة لمحتوى الخطاب السياسي السابق المتبادل، وإعداد محتوى خطاب وطني جديد يقود الى الاتفاق على «العمل الوطني المشترك» لتنقية الجو المشترك من دون لوم أو تقريع:

«لا يلم بعضكم على الخطب بعضاً

أيها القوم كلكم أبرياء»

ولتعلن براءة الجميع من «توريثهم للمستقبل» أياً من «صراعات الماضي» التي تنسف ثلاثية الإنجاز أو الخطط الخمسية أو الرؤى المستقبلية. فالصوملة والعورقة واللبننة والأفغنة والسودنة تبدأ من إصرار مشترك على صحة المعتقد الخاص من دون احتمال صحة المعتقد العام أو الآخر.

وليلتق مريدو مصلحة البلد بالقادرين على تحقيقها. رفقاً باليمن وبمستقبله.

من اللافت للانتباه أن يشير نواب البرلمان اليمني في تقرير قُدم الأحد 15 مارس (آذار) الى تأثير أخطار عدم الاستقرار السياسي وغيوم جوه باعتباره سبباً من أسباب كثيرة مؤشرة لمناخ الاستثمار الذي من شأن ازدهاره في ظل وضع مستقر الانتقال باليمن من واقعه المهمل الى جداول الحسابات المهمة.

فهل يدمك ساسة اليمن هذه الأخطار ويجعلون منها منطلقاً لجهد وطني مشترك يساهم في تنقية الجو السياسي تهيئة للمناخ الاستثماري الملائم. رفقاً باليمن وبمستقبله.

* كاتب ومستشار إعلامي يمني