لماذا يبتسم هذا الرجل؟

TT

يقول الدالاي لاما، سيد بلاد التبت (سطح العالم) الذي يعيش في المنفى فيما يثقل التنين الصيني على صدر بلده، إن «الإنسان ليس عنيفاً بطبعه» قرأت ذلك في «الفيغارو» هذا الصباح، وأنا أقول لنفسي إن هذا الرجل، الدالاي لاما، رجل مسل حقاً. الآن أدركت لماذا هو دائم الابتسام. لأنه مطمئن إلى أن الإنسان ليس عنيفاً.

من سوء حظي مع الرجل الأزلي الابتسامة أنني قرأت قوله العطر هذا في الصباح، بعدما كنت قد غفوت الليلة الماضية، وأنا اقرأ في كتاب «امرأة في برلين»، وهو مذكرات امرأة مجهولة عن آخر أيام الحرب ودخول الروس إلى عاصمة هتلر المهزومة. لم يكن قد بقي في المدينة سوى القليل من الكاز لملء القناديل القليلة، والقليل من المياه للاغتسال عند الضرورة والقليل من الخبز الجاف. والباقي جثث وخرائب ونساء تختبئ في الملاجئ خوفاً من وصول الجنود السوفيات. وأخيراً وصل الجنود السوفيات. وكانت الإذاعة (أو الإشاعة) قد ذكرت أن ستالين أصدر مرسوما يمنع فيه على عسكره الاغتصاب. ولكن عسكره وصلوا. واقتحموا الملاجئ والشقق وراحوا يتناوبون على تمزيق ألبسة النساء وشرفهن.

الإنسان ليس عنيفا. ولكن قبل برلين كان هناك مشهد آخر. مشهد الجنود الألمان وقد وصلوا إلى روسيا بالدبابات والمصفحات والدراجات النارية. وكان أول ما فعلوه اغتصاب النساء. وبعدها انصرفوا إلى قتل الرجال. وهذا الإنسان المسالم الباسم مثل الدالاي لاما قصف مدينة درسدن الألمانية من الطائرة حتى جعلها مربعات من الرماد وكوماً من نثار الحجارة. ومر على هيروشيما وناغاساكي فرشقهما بقنبلتين ذريتين صغيرتين. وجده كان قد مر بالمكسيك وذبح خمسة ملايين هندي. ومر بالتكساس وذبحهم. ومر بكاليفورنيا وذبحهم. ثم سافر إلى هوليوود وصور أفلاما ملونة وجميلة عن وحشية الهنود وكيف جاء الرجل الأبيض يحض0رهم. وبعدما انتهى من تمدينهم انطلق الكائن غير العنفي يشن حربين عالميتين. بالطائرات. بالقاذفات. بالبوارج، بالعربات. بالخيول. بالخنادق. بالفخاخ. بالكمائن. بالسلاح الأبيض. بالاغتصاب. بالإبادة. بالتعذيب. بالتجويع. بالقهر. بالإذلال. بالأسر بالأشغال الشاقة. بالاستعباد. بالحرق. بالنابالم. بالذرة.

لست من النوع الذي يقرأ كثيرا للدالاي لاما. ولست أحب كثيرا هذه الابتسامة التي لا تغيب في أي ظرف. فلماذا يبتسم هذا الرجل الذي فقد بلده ويعيش في المنفى؟ ما الذي يدعو إلى هذه الابتسامة المرسومة مثل قطط ديزني؟ أي نسخة من تاريخ البشرية قرأ هذا الرجل، من قابيل إلى جاره ماو؟