قوى الإنسان الخفية

TT

للكاتب كولن ولسون كتاب بعنوان «الإنسان والقوى الخفية» يشير فيه إلى أن حواس الإنسان البدائي كانت على درجة كبيرة من القوة أكثر مما هي عليه عند إنسان اليوم، إذ كان يشم من مسافات بعيدة، وتلتقط أذنه حتى الأصوات الهامسة، وزرقاء اليمامة كانت ترى من على بعد مسافة يومين، وسر قوة حواس الإنسان الأول أنه كان يعيش في العراء والكهوف والأكواخ، وتحيط به أخطار الطبيعة والحيوانات المفترسة من كل الجهات، وكان على حواسه بالتالي أن تعمل بأقصى طاقاتها، وحينما تبدل الحال بتطور الحياة المدنية للإنسان، وغدا يسكن البيوت المغلقة الأبواب، ويحتمي بأنظمة اجتماعية مؤسساتية، ويستعين بوسائل إلكترونية متطورة، ركنت تلك الحواس في بعض أغراضها إلى الاتكال، وأخذت تتدهور الكثير من قدرات الإنسان الأخرى معها تدريجيا، فاستعان لضعف النظر بالنظارات، ولصعوبة السمع بالسماعات، ولهشاشة الذاكرة بالمذكرات!

وأتذكر حينما كنا طلابا في المدرسة الابتدائية أجبرنا ـ بواسطة الضرب ـ على حفظ جدول الضرب، وكان من تقاليد الكراريس المدرسية في أيامنا تثبيت جدول الضرب في أغلفتها الأخيرة، وجاءت بعد ذلك الآلات الحاسبة فلم يعد لحفظ جدول الضرب أهميته السابقة، حتى إن بعض طلاب اليوم يستغربون حينما يشاهدوننا نحن جيل جدول الضرب نمارس بعض العمليات الحسابية البسيطة دون استخدام الآلة الحاسبة.

ومن العبث أن يطالب الإنسان اليوم بإلغاء كل مكتسبات العصر لاستعادة قواه المسروقة من ركاب الزمن، ولكن أتخيل أن بإمكان الإنسان أن يستعيد بعض تلك القوى بالتدريب المستمر، فلقد نجح أحدهم في أن يشم من الطابق الثاني الطعام الموجود في ثلاجة بـ (بدرون) بيته، ونجح آخر في الارتقاء بحاسة البصر لديه حينما راح يحررها ساعات في اليوم من ارتدادات البصر في المدن الإسمنتية فراح يقضي عصاري أيامه في الصحراء حيث الرؤية اللامتناهية، وهو يتحدث اليوم بالكثير من الفخر عن تجربته، ويمكن لثالث أن ينهض بقدراته السمعية إذا ما استطاع أن يتخلص من الملوثات في زحام المدن وصخب الجماعات.

ومع هذا يبقى السؤال: لو نحن استعدنا حواسنا المسروقة من ركاب الزمن فهل هناك ما يبهج؟!

[email protected]