أضمّك وأقول: بسم الله عليك

TT

جلست أتجاذب أطراف الحديث مع رجل توسمت فيه شيئا من المصداقية وكسرة الخاطر، وفجأة وبدون مقدمات تذكرت أنني لا بد وأن أجري محادثة هاتفية سريعة لمنزلي، بسبب أنني وضعت شيئاً في الفرن ونسيته، وخوفاً عليه من الاحتراق لا بد من إجراء المكالمة والتنبيه عن ذلك الخطر المحدق.

وحيث أنني في هذه الأيام لا أملك هاتفا محمولا خوفا من كثرة الرسائل، وخشية على نفسي من الفتنة، لهذا طلبت من الرجل أن يسمح لي بالاتصال من خلال تلفونه، وهذا ما حصل، فذهبت إلى ركن الصالون وأجريت المكالمة، وقبل أن أعيد التلفون إلى صاحبه، وإذا برسالة تأتي عليه، وفيها كلام بذيء لا يكتب، لاحظ الرجل أنني قرأت الرسالة، فلم يغضب أو يستحسن، ولكنه ابتسم في وجهي ابتسامة تعيسة وقال: إنني أثق بك، ولا مانع عندي من أن أحكي لك عن ما يزعجني من (إنسانة أو إنسان) تسلط عليّ وأخذ يوجه لي الرسائل ليلا ونهارا، ولم أطلبها منه ولست بحاجة إليها.

ثم فتح شاشة تلفونه وأخذت اقرأ بعض نماذجها بنهم وتعجب وخجل، فلم أتعود في حياتي على (هيك بجاحة)!!

الرسالة الأولى أعتقد أنها من امرأة خبيثة ومسترجلة في نفس الوقت وتقول: «لكل رجل امرأة تقوده إلى القمة أو إلى القاع، ولكل رجل أنثى تقوده في مراحل عمره»!

ويبدو أن صاحبنا (طنشها) ولم يرد عليها، فما كان منها إلاّ أن تبعث له برسالة (غزلية إرهابية) تقول فيها: «ليتني قنبلة يرميني عدوك عليك، وبدلا من أنفجر فيك أضمك وأقول: بسم الله عليك».

وبرضو أعطاها (الطرشة) ولم يجاوبها، فلم يكن منها إلاّ أن بعثت له بهذه الأبيات العدوانية في منتصف الليل:

«ارقد عسى نومك كوابيس / ارقد عساك بنومتك ما تهّنا

عساك ما تلقى رفاق موانيس / وعساك دايم في حياتك معّنا

وتعيش بين الناس كنك إبليس / وتضيق فيك الأرض منّا ومنّا».

وللمرة الثالثة ضرب باتصالاتها عرض الحائط، عندها استشاطت غضباً، وأخرجت أسوأ ما في نفسها دعاء منثوراً، وكأنني بها تصرخ وتولول وهي رافعة أكفها تدعو وتتضرع: «اللهم دمّر جوال من لا يرد على رسائلي، وأعمي شاشته، وشتت أزراره، وأسقطه من يده لينكسر، اللهم أفصل عنه الخدمة نهائياً، وفجر بطاريته، وخرب تلبيسته، اللهم بدله من نوكيا إلى اركسون قديم، وعطل شاحنه، واحرق شريحته يا رب العالمين».

سألته: وهل استجاب الله لدعائها؟!، أجابني وهو يهز برأسه بأسى: نعم، نظرت إلى جواله وإذا به فعلا مخلخل. ثم سألته مرّة أخرى: أليس في تلفونك ولا رسالة (تفتح النفس)؟!، قال: هناك واحدة بعث بها لي إنسان أكن له الاحترام وهي:

«ما شربت لذيذ الماء من ظمأ / إلاّ رأيت خيالا منك في الكاس

وما جلست إلى قوم أحدثهم / إلاّ وكنت حديثي بين جلاسي

والله ما أشرقت شمس ولا غربت / إلاّ وذكرك مقرون بأنفاسي

صلى عليك إله العرش في الكتب / فأنت حبيبي يا سيد الناس».

قلت له: الآن أرحتني بهذه الأبيات الأخيرة، وصلى الله عليك يا أبا الزهراء.

[email protected]