متى تفهم إسرائيل أن التصعيد العسكري ليس هو الحل؟

TT

كان تشرشل يقول: «إذا وصلْتَ أسفل الحفرة، فتوقف عن الحفر..» فهل نرى نهاية النفق بالنسبة للمعضلة الفلسطينية يوما ما؟ تدنّي الأوضاع الاجتماعية للفلسطينيين أصبحت لا تطاق، 95 % منهم أصبحوا يعتمدون على مساعدات إنسانية و75.000 منهم فقط لا زالوا يحتفظون بعملهم بسبب الحصار الخانق حسب إحصائيات منظمات إنسانية، وإن كانت صواريخ القسّام قد أصابت 12 إسرائيليا في ظرف 7 سنوات، فإن رصاص الجيش الإسرائيلي قد اخترق في نفس الفترة أجساد المئات من الفلسطينيين أمام صمت المجتمع الدولي، الذي لم يكلف نفسه مجرد التنديد بالتصريحات المرّوعة لوزير الدفاع الإسرائيلي الذي وعد الفلسطينيين بهولوكست ثان.

المشكلة أن القضية الفلسطينية وبالرغم من شرعيتها لم تستطع لحدّ الآن حشد التأييد الرسمي والشعبي الكافي كما حدث في السابق مع سود جنوب أفريقيا مثلا، ويكفي أن استمع لحظات فقط لتغطية القنوات الأجنبية حتى ألاحظ غياب الرؤية الصحيحة: فكلمة «احتلال» تختفي لتصبح نزاعاً وكلمة «مقاومة» تنقلب لأعمال عنف، وفي المقابل فإن الإسرائيليين لا زالوا يبدعون في أداء دور الضحية، واللعب بعقدة الذنب التي يلوحون بها في وجه الغرب في كل مناسبة منذ أكثر من 60 سنة. مما زاد الطين بلّة انكماش أنصار معسكر السلام وكل ما يحدث الآن ابتداءً من عزل غزة عن باقي أراضي الضفة الغربية وحرمان أهلها من كل شيء وانتهاءً بإضعاف موقف الرئيس عباس، لا يبدو إلا وهو داخل ضمن مخطط مبيّت لتصعيد الأوضاع بل ويمكن اعتباره تطبيقا لجزء من الأجندة الإسرائيلية السّرية التي خطط لها شارون والتي تهدف إلى خلق الانقسام بين غزة والضفة الغربية بوضع الأولى تحت سيطرة حماس والثانية تحت سيطرة فتح عملا بالنصيحة التي تقول «فرق تسد».

انطلاقا من هذا المنظور تبدو كل الحسابات التي بنيت عليها مفاوضات أنابوليس واهية، بل ان كل ما قيل عن تقوية ظهر الرئيس محمود عباس وتجاهل حماس وتشديد الخناق عليه هو الآن يعطي نتائج عكسية. فشعبية عباس لدى الفلسطينيين هي أضعف من أي وقت مضى، خاصة وأن لقاءاته السابقة مع الإسرائيليين لم تأت له بشيء: لا تخفيف الخناق الذي يعيشه الفلسطينيون على معابر التفتيش 770 التي لم يرفع ولا واحد منها، ولا إيقاف توسيع المستوطنات التي لازالت تبنى هنا وهناك في الضفة الشرقية حتى أصبح عددها اليوم يفوق الثمانين. في نفس الوقت فشلت كل محاولات إضعاف حماس التي راهنت فيها إسرائيل على انقلاب الغزاويين على حركتهم سئماً من الإجراءات العقابية التي تطولهم بسببها، بل ربما هي الآن أكثر الفصائل الفلسطينية تمتعـــاً بــالشرعية الشعبية بصفتها الحركة التي تجسد المُقاومة الفعلية. وحتى إن أردنا التفكير بمنطق الساسة الإسرائيليين فهل هذه الخطط تخدم فعلا مصالح إسرائيل؟ بالتأكيد لا، فلن يكون تصعيد التوتر ولا الخيار العسكري هو الحلّ لإنهاء دوامة العنف التي تتخبط فيها المنطقة. والدليل ان إسرائيل لم تتمكن ورغم مرور 40 سنة على بدأ صيرورة السلام الصعب من تحقيق أهم أهدافها وهو: الوصول إلى تحقيق الأمن لشعبها... فلا يكفي إغلاق غزة وحبس أهلها داخل جدرانها واتهامهم بالإسلاميين المتطرفين لإنهاء المعضلة، وأحداث القدس الأخيرة تظهر هشاشة الأمن الذي تدّعي إسرائيل توفيره لمواطنيها. في هذه المرحلة من الحرب النفسية ربما ظهر الفلسطينيون الذين طفح بهم الكيل وأصبح لا يهمهم سلخهم بعد ذبحهم الأقوى بقدرتهم على المقاومة والتّحمل، وقد استوقفني ذلك الإحصاء الذي نقلته الصحافة الإسرائيلية هذا الأسبوع من أن 60% من الإسرائيليين يريدون الوصول إلى السلام مع جيرانهم ولو اقتضى الأمر التفاوض مع حماس...! مهما ماطلت، فإن إسرائيل تعلم جيداً أن المفاوضات هو قدرها مع الفلسطينيين لكنها تراوغ أملا في إضعاف عباس والخروج بأكبر قدر ممكن من الانتصارات، مستغلة ورقة حماس وهي التي تعلم أن واشنطن ترى في الرئيس الفلسطيني أحسن شريك لإسرائيل في عملية السلام والأقرب من حماس التي تعتبرها منظمة إرهابية، وهو ما يجعل هذا الأخير أشد خطورة عليها من حماس. لكن السحر قد ينقلب على الساحر وقد تحرق إسرائيل يدها في هذه اللّعبة الخطرة بعد ظهور معطيات جديدة تقول إن عملية القدس ربما تكون رداً على اغتيال مغنية، فهل جاء الوقت الذي وجب لإسرائيل أن تحسب فيه حساب تحالفات حماس مع الجهاد وحزب اللّه وحركات أخرى وتفتح على نفسها جبهة حرب إقليمية جديدة؟؟ مهما يكن فالساسة الإسرائيليون أمام خيار حاسم فإما أن ينتهجوا طريق الحكمة والسلام وإما أن يماطلوا أكثر فتكبر رقعة العنف ويكونوا هم أول الخاسرين.