حرية غير مقبولة !

TT

بعد أزمة الرسوم الكاريكاتورية المسيئة بحق نبي الإسلام سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، وتكرار نشرها بأسلوب استفزازي ودنيء، يجيء الآن الفيلم المعد من قبل النائب الهولندي اليميني المتعصب جيارت فيلدرز، وهو فيلم شديد الإساءة بحق الدين الإسلامي والقرآن الكريم، وقد تم إطلاق الفيلم على شبكة الإنترنت لضمان أكبر قدر ممكن من المشاهدة غير المقننة، ويلحقه الآن موقع هولندي على الانترنت يصر على إطلاق شريط مرئي مؤذ بحق الرسول عليه الصلاة والسلام يدعمه تأييد مادي ومعنوي من القوى اليمينية والمسيحية الأصولية. والحق يقال إن هناك فرقا بين موقف حكومة الدنمارك وموقف الحكومة الهولندية، فالأخيرة سارعت إلى الاعتراض وإنكار ما قام بعمله النائب فيلدرز واعتبرته لا يقدم الصورة الحقيقية ولا يخدم. إلا أن هناك مشكلة جوهرية في علاقة مبدأ «حرية الرأي» مع إهانة الرموز الدينية. فلا يمكن أن يتم الإقدام المرة تلو الأخرى على إهانة الرسول والقرآن والدين الإسلامي «فقط» واعتبار ذلك حرية رأي، بينما هي تتحول فعليا إلى حرية الإهانة وحق الازدراء، وهذه (حرية الرأي) حجة لا تكون مقبولة حينما تكون مقننة، فيتم مثلا تجريم أي نوع من التعرض لليهود كشعب أو كدين واعتبار ذلك «معاداة للسامية» وهو المصطلح الرسمي الذي جرى اعتماده كحجة يجمع عليها العالم الأول، ويعتبر من يقوم بذلك مجرماً بامتياز بدون شك. وليت المسألة تقف عند ذلك فقط، ففي الثمانينات الميلادية من القرن المنصرم، قامت عصابات خارجة محسوبة على اليمين الأمريكي الأصولي المتطرف بتفجير عدد غير قليل من عيادات الإجهاض وقتل وإصابة الأطباء والممرضات العاملين فيها بحجة الدفاع عن تعاليم الإنجيل وتعاليم عيسى عليه السلام. وحينما أقدمت صحيفة على رسم كاريكاتور للسيد المسيح، وعلى رأسه أكليل من أصابع الديناميت الناسف، أبدى رئيس التحرير اعتراضه الشديد جدا على الفكرة، وقام بمنع نشر الرسوم بحجة أن ذلك الأمر سيجرح ويهين طائفة المسيحيين وهذا فيه تعد على رمز ديني وغير مقبول. وبالتالي هناك «سوابق» كثيرة في الإرث الحقوقي الغربي يوضح أنه لا توجد «حرية» مطلقة بلا سقف، وأن هناك الكثير من السوابق التي تؤيد مقولة إن كل جرم في حق أي دين أو رمز لهذا الدين عقابه ما يتوافق مع جناية من هذا النوع. نعم هناك اختلاف في ردة الفعل ما بين حكومة هولندا وحكومة الدنمارك، بل إن هناك خطوات أخرى تبقى مطلوبة، فالاتحاد الأوروبي الذي يضم أكثر من 495 مليون مواطن ويستعد لاستقبال 60 مليونا آخر، في حال انضمام تركيا له، سيكون عليه وضع أسس للتعايش مع الإسلام واحترام رموزه (من منطلق نفس الحريات الممنوحة للديانة اليهودية على سبيل المثال)، فحجة حرية الرأي التي تتحول إلى حرية الإهانة مع سبق الإصرار والترصد تتحول إلى قضية ونهج لا يمكن قبولهما وبالتالي لا يمكن الدفاع عنهما. فتح الحوار مطلوب بين الإسلام والمسيحية، واللقاء الذي تم بين خادم الحرمين الشريفين وبابا الفاتيكان تظهر نتائجه تباعا، وبالتالي قد يكون أدنى المطلوب أن ينهج السوق الأوروبي منهاجا أخلاقيا يعلن فيه عن تجريم المساس بأي رمز ديني بما فيه الرموز الإسلامية بشتى أشكالها، وهذه خطوة طال انتظارها.

[email protected]