نظرة واحدة لا تكفي

TT

لم اعرف الحب من أول نظرة، غير انه حقيقة يعيشها ملايين البشر، ومع ذلك لم يدلنا احد على ما يجري ما بعد هذا الحب. هل يختفي بمجرد ان يجتمع الحبيبان تحت سقف بيت؟ هل تنطلق ملكات الابداع لأن الحب يفجر طاقات المحبين؟ أم يكتشف المحب ان حبه كان وهما فيهرب ابداعه الى غير رجعة؟

لا اعرف جوابا لأي من تلك التساؤلات. كل ما اعرفه هو ان النظرة الاولى لا تكفي لاكتشاف انسان.

ومع ذلك فان دراسة حديثة اجريت على عدد كبير من الازواج والزوجات الذين تزوجوا بعد الوقوع في الحب من اول نظرة، اكدت ان ملامح من الحب المشبوب تتحدى الزمن، وانه بإمكان تلك الطاقة العاطفية الجارفة ان تعود للظهور بين الحبيبين حتى بعد مضي خمسة وعشرين عاما على الزواج لو استطاع الزوجان ان يتجاوزا عثرات الطريق.

واكتشف الباحثون أيضا ان نسبة كبيرة من الزيجات التي تتم بناء على الوقوع في الحب من اول نظرة تنتهي بالطلاق. وقبل ان نرمي بالاتهامات في اتجاه عاطفة الحب اقول ان الطلاق هو النهاية اذا ما اعتمد قرار الزواج على عنفوان ما يشعر به كل طرف نحو الآخر من انجذاب هو في الاساس انجذاب جنسي, ولم ينتبها إلى الاختلاف في التكوين الشخصي بينهما. فمن الممكن ان يكون احدهما كسولا بينما يكون الآخر عالي النشاط مهتما بالعمل كقيمة اساسية في الحياة. هذا الفرق قد يتسبب على المدى الطويل في خلق هوة نفسية بين الحبيبين تكبر وتكبر الى ان يجد كل منهما نفسه وحيدا على الجانب الاخر.

الجاذبية الجنسية وحدها لا تكفي لدعم ارتباط دائم لأنها مد غريزي يسعى لاشباع فوري تنحسر بعده الطاقة المسببة له. تلك الجاذبية تشبه الاحساس بالجوع، فهو ايضا مد غريزي لأن الطعام هو الوقود الذي يؤمن استمرار الحياة وقدرة الجسم على تأدية وظائفه. باختصار ان لم نأكل نموت، ولذلك تسعى كافة المخلوقات لأن تأكل.

ولكن ما ان يشبع الانسان بعد جوع حتى ينسى المشاعر التي حركته في اتجاه خزانة الطعام. كما ان التجربة تعلمه كيف ولماذا يختار اصنافا معينة من الطعام بحيث يصبح الجوع جزءا من الاحتياج للطعام، لا كل الاحتياج. وبذلك تتبدل العلاقة بينه وبين ما يأكل الى علاقة اكثر عمقا ورقيا.

اذا كان الحب من اول نظرة مجازفة لمن يفكر في الزواج فما هو الاختيار الاسلم؟ يقول باحثون غربيون ان الرجل والمرأة اللذين تربط بينهما صداقة قوية قبل الزواج تتوفر لهما فرصة لزواج مستقر سعيد، لأسباب تتعلق بتوافق الاراء بما لا يفتح بابا للخلافات. تذكرت طرفة رواها لي زميل عن رجل احب فتاة من اول نظرة حبا ملك عليه نفسه. وتقدم للزواج منها ورفض الطلب. وجاهد وجاهد الى ان وافق اهلها وتزوجا. بعد عام واحد اشعل روميو النار في البيت فاحترق البيت بمن فيه الا من رسالة تركها تقول: احذروا من الحب. رحم الله شاعرنا الكبير نزار قباني الذي قال ان الحب في الارض بعض من تخيلنا لو لم نجده عليها لاخترعناه. الحب نعمة من نعم الله، فلنحفظها من الزوال بالفهم والتحليل لكي نسعد بخيره ونتقي شره.